الْكَوْكَبُ الدُّرِيّْ فِي تَرْجَمَةِ الإِمَامِ أبِي بَكْرٍ الآجُرِّيّْ
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[24 - 08 - 05, 07:16 م]ـ
أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الآجُرِّيُّ الْبَغْدَادِيُّ
الْعَابِدُ الزَّاهِدُ الْحَافِظُ ذُو التَّصَانِيفِ النَّافِعَةِ (1)
ــــــــــــــــــــــــ
الإِمَامُ الْحَافِظُ الثَّبْتُ النِّحْرِيرْ. وَبَحْرُ الْعِلْمِ الزَّاخِرُ بِالْفَضْلِ الْغَزِيرْ. مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ سَمَتْ أَنْفَسُهُمْ لِنَيْلِ الْعُلا وَالْمَعَالِي. فَمَا بَرِحَ يُدْلِجُ وَيَغْدُو فِي تَحْصِيلِ الأُصُولِ وَالْفُرُوعِ بِالأَسَانِيدِ الْعَوَالِي. مُتَدَرِّعَاً بِأَنْوَارِ الْيَقِينِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي وَرَطَاتِ الارْتِيَابِ وَاللَّبْسِ. وَسَاعِيَاً فِى صِيَانَةِ عَقَائِدِ الْمِلَّةِ مِنْ غَارَاتِ الابْتِدَاعِ وَالرِّجْسِ. حَتَّى قَضَى فِي كَشْفِ مُشْكَلاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كُلَّ حَاجَةٍ فِي النَّفْسِ. وَرَدَّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلالِ رَدَّاً حَفِيلاً. وَكَانَ عَلَى الرَّوَافِضِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُرْجِئَةِ سَيْفَاً مَسْلُولاً.
وَتَنَاقَلَتْ تَصَانِيفَهُ أَئِمَّةُ الأَمْصَارِ. وَتَهَادَتْهَا شُدَاةُ الْحَقِّ فِي شَتَى الأَقْطَارِ. وَطَلَعَتْ فِي كُلِّ أُفْقٍ طُلُوعَ الشَّمْس. وَنَسَخَتْ بِمُحْكَمِ صَوَابِهَا كُلِّ رِيبَةٍ وَلَبْس.
وَأَعْرَبَتْ بِدِقَائِقِ تَحْقِيقَاتِهَا عَنْ حَقَائِقِ التَّبْيَانِ. فَرَمَقَتْهَا أَعْيُنُ وُجُوهِ الْعُلَمَاءِ بِالْمُقُلِ الْحِسَانِ. وَتَلَقَوْهَا بِالرِّضَا وَالْقَبُولِ وَالاسْتِحْسَانِ.
((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا)). إنَّ تَصَانِيفَهُ كَأَبْكَارِ الْعَرَائِسِ تَرْفُلُ فِي أَبْهَى حُلاهَا. أَوْ النُّجُومِ الزَّاهِرَةِ يُهْتَدَى فِي الظُّلُمَاتِ بِضِيَائِهَا وَسَنَاهَا. وَكَفَاهُ بِكِتَابِ الشَّرِيعَةِ فَخْرَاً فَقَدْ اكْتَسَى مِنْ مَوَاهِبِ الامْتِنَانِ حُلَلَهَا. وَتَلا لِسَانُ التَّوْفِيقِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ تَكْمِيلِهِ ((مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا)).
فَلَعْلَّ الآجُرِّيَّ الْمَقْصُود، بِهَذَا الْمَدِيحِ الْمَحْمُود:
إِمَامُ أََهْلِ التُّقَى وَالْعِلْمِ شِيمَتُهُ ... بَذْلُ النَّدَى مِنْ أَيَادٍ سَيْبُهَا رَشَحَا
تَغْدُو الأَمَانِيُّ حَسْرَى دُونَ هِمَّتِهُ ... إِذَا يَرُوحُ عَلَى الْعَلْيَاءِ مُقْتَرِحَا
يُرِيكَ مِنْ لَفْظِهِ الْكَشَّافِ إِنْ نَطَقَتْ ... عُلْيَا بِلاغَتِهِ مَا يُخْرِسُ الْفُصَحَا
فَكَمْ بِهِ مِنْ مُشْكَلٍ لِلْفَهْمِِ قَدْ وَضَحَا ... وَمُقْفَلٍ بِدَقِيقِ الْفِكْرِ قَدْ فُتِحَا
فَقُلْ لِمَنْ رَامَ فِي فَضْلٍ يُمَاثِلُهُ ... أََقْصِرْ عَدِمَتُكَ وَاقْبَلْ نُصْحَ مَنْ نَصَحَا
إِنَّ الْمَعَالِيَ مَا بَيْنَ الْوَرَى مِنَحٌ ... مَقْسُومَةٌ وَإِلهُ الْعَرشِ قَدْ مَنَحَا
ـــــــــ
نشأتُهُ ونبوغُهُ فِي الْعِلْمِ
نَشَأَ بِدَرْبِ الآجُرِّ (2) بِبَغْدَادَ نَشْأَةَ مَنْ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور. فَبَكَّرَ إِلَى مَجَالِسِ عُلَمَاءِ بَلْدَتِهِ وَهُوَ يَتْلُو: اللَّهُمَّ بَارَكَ لِي فِى الْغُدُو وُالْبُكُور. وَلازَمَ الْحِشْمَةَ وَالْوَقَارَ وَالْوَرَعَ الْمَتِين. وَسَلَكَ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ سُنُنَ السَّادَةِ السَّالِفِين. وَجَدَّ فِي الْقِيَامِ فِى جَوْفِ الدَّيَاجِي قَانِتَا. يَتْلُو بِلِسَانِ التَّذَلُّلِ وَالاعْتِذَارِ وَالرَّجَا:
اتَّخِذْ طَاعَةَ الإِلَهِ سَبِيلاً ... تَجِدِ الْفَوْزَ بِالْجِنَانِ وَتَنْجُو
وَاتْرُكْ الإِثْمَ وَالْفَوَاحِشَ طُرَّا ... يُؤْتِكَ اللهُ مَا تَرُومُ وَترْجُو
وَسَمِعَ وَهُوَ حَدَثٌ يَافِعٌ أَبَا مُسْلِمٍ الْكجِّيَّ الَّذِي فَاقَ مُحَدِّثِي عَصْرِهِ. وَأَقرَّ لَهُ بِالإِمَامَةِ وَالصَّدَارِةِ أَبْنَاءُ دَهْرِهِ. فَحَصَّلَ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ الْحَدِيثَ بَالأَسَانِيدِ الْعَوَالِي. وَتَفَرَّد عَنْ أَقْرَانِهِ وَذَوِيهِ بِأَوْسَاطِ الْمَعَالِي.
¥