وكنية عمار بن رزيق أبو الأحوص
فهو هو ولم أر من نبه على ذلك
وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبو داود عن هناد بن السري كلاهما عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق
وأبو الأحوص هذا هو سلام بن سليم
فإن أبا بكر وهناداً أدركاه ولم يدركا عماراً، والله أعلم) انتهى كلام الحافظ.
نقول ـ وبالله التوفيق ـ:
هذا الموضع مع غيره من مواضع أخرى ستأتي فيما بعد ـ بإذن الله ـ لا يملك الباحث فيها إلا إجراء القواعد العلمية، وإعمال الحِسِّ الحديثي إلى أقصى درجة، ثم هو بعد ذلك يرجو أن يدخل في قول الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} والله تعالى أعلم.
وفي الحقيقة فإن المزي ـ رحمه الله ـ لم يشر أو يرمز إلى وجود رواية لـ (عمار بن رزيق) في صحيح البخاري، وبالتالي فليس له عند البخاري ـ إذا ثبتت الرواية ـ إلا هذا الحديث المختلف في تحديده فيه.
كما أن تخريج الحديث لم ينتج عنه إلا وجود الحديث من طريق يحيى بن آدم إلا عند البخاري والنسائي فقط، وأن أكثر الطرق وبمعنى أصح باقي الطرق فكلها عن (أبي الأحوص سلام بن سليم).
ومن هذا المنطلق فإن كلام الحافظ ابن حجر وإن كان متجهاً بسبب تخريج الحديث من طريق (المخرمي) عن (يحيى بن آدم) والذي صرح فيه باسم (عمار بن رزيق)، أيضاً وعلى الرغم من أن القواعد تفرض اعتبار العلة التي ذكرها الحافظ وجزم على أساسها بتحديد (أبي الأحوص) على أنه (سلام بن سليم)، باعتبار أن التخريج مهما اتسع سيظل قاصراً عن إدراك ما كان في ثنايا كثير من المراجع التي لا سبيل إلى الوصول إليها الآن، بحيث يصعب مثلاً تخطئة راوٍ ثقة مثل: (محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي) شيخ النسائي في هذا الحديث، أو ادعاء أن بعض رواة نسخ وروايات النسائي تدخل بالتعيين للراوي، حيث لم يُذْكر في الإسناد إلا باسم (عمار بن رزيق) غير مقرونٍ بكنية (أبي الأحوص)، إذْ لو كانت الكنية موجودة مع الاسم لكان ذلك الظن جديرا بالاعتبار، ويزيد من الشكوك حول صحة التعيين في هذا الموضع، ولكن على الرغم مما تقدم فإن العهد بالحافظ المزي رحمه الله ـ على ما قد يقع له من مؤاخذات قليلة إلى حدِّ الندرة ـ فإنه قليلاً ما يفصح بالكلام عن الجهد الهائل الذي يبذله لتحقيق المعلومة الصحيحة، نظراً لطبيعة الكتابين الأساسيين اللذين يمثلان مشروع عمره، وأعني بهما ـ "تحفة الأشراف" و "تهذيب الكمال"ـ حيث لا مجال فيهما إلى الاستطراد أو الكلام الإنشائي بخلاف الحال في الشروح الكبيرة مثل شرح "فتح الباري" للحافظ ابن حجر.
فإذا أخذنا هذا الأمر في الاعتبار، لم نُقْدِم على تخطئة الحافظ المزي إلا بأقوى دليل.
وفي الحقيقة رغم صعوبة الأمر كما هو ظاهر إلا أن إعمال النظر مرة بعد أخرى في مثل هذه المواطن والتأني في تخطئة حافظ كبير ـ مثل الحافظ المزي ـ لم يستطع أن يفصح عن جهده الكبير في تآليفه، فترك إدراك ذلك للعلماء المتقنين، عملا بالقول المأثور: "لا يعرف قدر ذوي الفضل إلا أولو الفضل"، فذلك التأني وعدم التسوُّر على الأئمة جدير بأن يستجلب توفيق الله عز وجل.
فها هو تخريج الحديث وتعليقات بعض الأئمة القليلة عقبه تُلْمِحُ إلى إمكان الجمع بين الأمرين، فيكون (يحيى بن آدم) يروي الحديث عن كل من: (عمار بن رزيق)، و (أبي الأحوص سلام بن سليم) كلاهما عن (أبي إسحاق)، ولا يكون ثَمَّ مبرر لتخطئة (محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي) شيخ النسائي فيه.
فنجد الحافظ ابن منده يخرج في كتاب الإيمان ويقول عقب الحديث:
(رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، "وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّ الْحِمَارَ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ". وَرَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ. " وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهُوَ وَهْمٌ ").
فيشير ابن منده بذلك إلى أن الزيادة في الحديث بلفظ: (يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ) إنما هي محفوظة لـ (أبي الأحوص سلام بن سليم) فقط، وحيث أن لفظ الحديث عند البخاري من طريق (أبي الأحوص) يشتمل على هذه الزيادة دون حديث النسائي، فإن ذلك يفيد في تحديد (أبي الأحوص) عند البخاري.
¥