نُخْبَةُ الْفُضَلاءِ. وَعُمْدَةُ الْنُبَلاءِ. وَسُلافَةُ النُّجَبَاءِ. وَوَحِيدُ الْفَضَائِلِ وَالْخِلالِ. وَفَرِيدُ الشَّمَائِلِ وَالْخِصَالِ. ورَئِيسُ الْمُحَدِّثِينَ بِالْبَصْرِةِ بَلْ كُلِّ الأَمْصَارِ. ذُو الْبَاعِ الْوَاسِعِ فِي حِفْظِ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ. فَكَأَنَّهَا صَحِيفَةٌ بَيْنَ جَوَانِحِهِ يَأْخُذُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار.
بَحْرٌ لَيْسَ لِلْبَحْرِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْيَوَاقِيتِ وَالْمَرْجَان. وَحَبْرٌ سَمَا عَلَى الْعَوَالِي فَفَاقَ الرِّفَاقَ وَالأَقْرَان. وَرَوْضَةُ عِلْمٍ لَيْسَ لِلرِّيَاضِ مَا لَدَيْهِ مِنْ الأَزَاهِيرِ وَالرَّيَاحِين. قَدْ أَيْنَعَتْ وَأَثْمَرَتْ فَهِي ((تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ))
انْتَظَمَتْ بِهِ مَجَالِسُ الْحَدِيثِ وَعَظُمَتْ جُمُوعُهُ. وَاعْشَوَشَبَتْ رِيَاضُهُ وَانْتَعَشَتْ رُبُوعُهُ. كَيْفَ لا وَهُوَ الإِمَامُ خَاضَ مِنْهُ فِي بِحَارٍ عَمِيقَة. وَسَلَكَ سَبِيلَ السَّادَةِ السَّالِفِينَ وَهِي أَمْثَلُ طَرِيقَة. فَإِذَا حَدَّثَ أَتَى بِالْحُجَّةِ الْمُوَضِّحَة. وَهَدَّ قَوَاعِدَ الْمُبْتَدِعَةِ فَصَارَتْ تَحْتَ الأَرْجُلِ مُجَرَّحَة. وَصَنَّفَ الْمُسْنَدَ الْكَبِيرَ فَكَانَ كَحَدَائِقَ ذَاتِ بَهْجَةٍ. فَآثَارُهُ مِنْ صِحَّتِهَا وَحُسْنِهَا تُفَدَّى بِكُلِّ مُهْجَةٍ. وَفَصَّلَ الأُصُولَ بَابَاً بَابَا. فَفَرَّقَ شَمْلَ الْمُبْتَدِعَةِ وَصَيَّرَهُمْ شِيعَاً وَأَحْزَابَا. وَنَادَى شَاعِرُ أََهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَ صَوَابَا:
مَنْ كَانَ يَرْغَبُ فِي النَّجَاةِ فَمَا لَهُ ... غَيْرُ اتَّبَاعِ الْمُصْطَفَى فِيمَا أَتَى
ذَاكَ السَّبِيلُ الْمُسْتَقِيمُ وَغَيْرُهُ ... سُبُلُ الْغِوَايَةِ وَالضَّلالَةِ وَالرَّدَى
فَاتْبَعْ كِتَابَ اللهِ وَالسُّنُنَ الَّتِي ... صَحَّتْ فَذَاكَ إِذَا اتْبَعْتَ هُوَ الْهُدَى
وَدَعْ السُّؤَالَ بِكَمْ وَكَيْفَ فَإِنَّهُ ... بَابٌ يَجُرُّ ذَوِي الْبَصِيرَةِ لِلْعَمَى
الدِّينُ مَا قَالَ الرَّسُولُ وَصَحْبُهُ ... وَالتَّابِعُونَ فَمِنْ مَنَاهِجِهِمْ قَفَا
وَهُوَ مَعْ ذَا فَرْدُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ الَّذِي لا يُضَاهِيهِ الطَّائِيُّ. سَجِيَّةٌ مَوْهُوبَةٌ وَطَبْعٌ أَرْيَحِيٌّ. فَمَا نَبَتَتْ الْبَطْحَاءُ إِلا مِنْ وَابِلٍ صَيَّبٍ. وَلا حَقَّ الشُّكْرُ وَالْمَدِيحُ إِلا لِجَوَادٍ طَيَّبٍ. لذا مَدَحَهُ وَأَسَدَ بْنَ جَهْوَرَ الْبُحْتُرِيُّ أبُو عُبَادَةْ. وَهُمَا الْجَدِيرَانِ بِمَا قَالَهُ وَزِيَادَةْ:
هَلْ تُبدِيَنَّ لِيَ الأَيّامُ عَارِفَةً ... إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ أَوْ أَسَدِ
كِلاهُمَا آخِذٌ لِلْمَجْدِ أُهْبَتَهُ ... وَبَاعِثٌ إِثْرَ نُجْحِ الْيَوْمِ نُجْحَ غَدِ
لِلَّهِ دَرُّكُمَا مِنْ سَيِّدَيْ زَمَنٍ ... أَجْرَيْتُمَا مِنْ مَعَالِيهِ إِلَى أَمَدِ
وَجَدْتُ عِنْدَكُمَا الْجَدْوَى مُيَسَّرَةً ... أَوَانَ لا أَحَدٌ يُجْدِي عَلَى أَحَدِ
وَقَدْ تَطَلَّبتُ جَهْدِيَ ثَالِثَاً لَكُمَا ... عِنْدَ اللَّيَالِي فَلَمْ تَفْعَلْ وَلَمْ تَكَدِ
لَنْ يُبْعِدَ اللهُ مِنِّيَ حَاجَةً أَبَدَاً ... وَأَنْتُمَا غَايَتِي فِيهَا وَمُعْتَمَدِي
إِنْ تُقْرِضَا فَقَضَاءٌ لا يَرِيثُ وَإِنْ ... وَهَبْتُمَا فَقَبُولُ الرِّفْدِ وَالصَّفَدِ
وَفِي الْقَوَافِي إِذَا سَوَّمْتُهَا بِدَعٌ ... يَثْقُلْنَ فِي الْوَزْنِ أَوْ يَكْثُرْنَ فِي الْعَدَدِ
وَخَصَّهُ أبُو عُبَادَةَ بِالْمَزِيدِ مِنْ الْمَدِيحِ. فَقَدْ زَادَهُ أبُو مُسْلِمٍ مِنْ خَفِي كَرَمِهِ وَالصَّرِيحِ. وَغَدَتْ عَلَيْهِ عَطَايَاهُ وَرَاحَتْ. فَمَدَحَهُ بِقَصَائِدِهِ الَّتِي ذَاعَتْ وَشَاعَتْ.
خُلُقٌ كَالْغَمَامِ لَيْسَ لَهُ بَرْقٌ سِوَى بِشْرِ وَجْهِكَ الْوَضّاحِ
إِرْتِيَاحَاً لِلطَّالِبِينَ وَبَذْلاً ... وَالْمَعَالِي لِلْبَاذِلِ الْمُرْتَاحِ
أَيُّ جَدَّيْكَ لَمْ يَفُتْ وَهُوَ ثَانٍ ... مِنْ مَسَاعِيهِ أَلْسُنَ الْمُدّاحِ
وَكِلا جَانِبَيْكَ سَبْطُ الْخَوَافِي ... حِينَ تَسْمُو أَثِيثُ رِيشِ الْجَنَاحِ
¥