جَامِعُ الْعُلُومِ وَالْحِكَمْ. وَقِبْلَةُ طُلابِ الْحَدِيثِ الَّتِي تُؤْتََى وَتُؤمّ. وَرَايَةُ الْمَجْدِ الَّتِي أَحْرَزَتْ فَضْلاً كَبِيرَاً. وَتُلِي فِي جَنَبَاتِهَا ((وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرَاً)). وَفخْرُ فِرْيَابَ الَّذِي فَخَرَتْ بِهِ عَلَى كُلِّ الأَمْصَارِ. وَبَدْرُ الْكَمَالِ، بَلْ شَمْسُ الأَصِيلِ فِي رَائِعَةِ النَّهَارِ. وَمِنْحَةُ خِزَانَةِ نُبَهَائِهَا. وَنَفْحَةُ رَيْحَانَةِ أَلِبَائِهَا. وَإِمَامُ مَجْمَعِ مَعَارِفِهَا وَعُلُومِهَا. بِجِلِيلِ ذِكْرِهِ قَدْ طَرِبَتْ النُّفُوسُ. وَبِجِمِيلِ مَدْحِهِ قَدْ تَزَيَّنَتْ الطُّرُوسُ.
الْحَافِظُ الْحَاذِقُ الَّذِي فَاقَ الأَقْرَانَ وَبَرَّزَ. وَمَنْ إذِاَ صَنَّفَ فِي الأَحْكَامِ حَاكَ وَطَرَّزَ. نَاشِرُ بُرُودِ التَّحْبِيرِ. وَمُظْهِرُ شُمُوسِ التَّحْرِيرِ. وَمُغْنِي اللَّبِيبِ. عَنْ الأَبَاطِيلِ وَالأَكَاذِيبِ.
فَوَالَّذِي رَفَعَ ذَاتَ الرَّجْعِ. وَبَسَطَ ذَاتَ الصَّدْعِ. إِنَّ تَصَانِيفَهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ. وَدُرٌّ مَنْثُورٌ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ. مَعْ حِكَمٍ بَلِيغَةٍ كَلَوَامِعِ الأَنْوَارِ. وَآدَابٍ رَائِقَةٍ كَالرَّوْضِ الْمِعْطَارِ. وَتَحْقِيقَاتٍ لَمْ تَسْتَطِعْهَا الأَفَاضِلْ. وَكَيْفَ لا، وَقَدْ حَوَاهَا عَنْ السَّادَةِ الأَمَاثِلْ. الَّذِينَ هُمْ فِي سُبُلِ الْهُدَى سَالِكُونَ. ((أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)).
فَهُوَ الْجَدِيرْ. بِهَذَا التَّحْبِيرْ:
وَأَقَامَ جَعْفَرُ مَفْخَراً لِرِيَاسَةٍ ... قَدْ رَدَّهَا بَعْدَ الْمَشِيبِ شَبَابَا
حَبْرٌ لَهُ التَّقْوَى شِعَارٌ لازِمٌ ... وَالْبِرُّ ثَوْبٌ يَسْحِرُ الأَلْبَابَا
كَالْغَيْثِ يَخْلُفُهُ الرَّبِيعُ وَغَيْرُهُ ... كَالنَّارِ تَعْقُبُ إِذَا تَشُبُّ تُرَابَا
ذَا عَزْمَةٍ لَوْ كَانَ مَارَسَ بَعْضَهَا ... الْحَجَرُ الأَصَمُّ أَوْ الْحَدِيدُ لَذَابَا
وَرِوَاقُ عِزٍّ فَوْقَ دِينِ مُحَمَّدٍ ... وَعَلَى رُؤُوسِ الْمَارِقِينَ شِهَابَا
وَصَدَعْتَ عَنْ حَقٍّ حَوَيْتَ أُصُولَهُ ... لا عَنْ هَوَىً فِيمَا نَطَقْتَ صَوَابَا
وَكَشَفْتَ عَنْ دِينِ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ ... ظُلَمَاً وَلَمْ تُبْقِ بِهَا مُرْتَابَا
يَا بَحْرَ عِلْمٍ مَا وَلَجْتُ عُلُومَهُ ... إِلا وَلَجْتُ مَدَى الزَّمَانِ عُبَابَا
يَا نُورَ مِشْكَاةِ الْعُلُومِ وَبَدْرَهَا ... يَا مَنْ كَشَفْتَ مِنْ الرُّمُوزِ صِعَابَا
لَمَحَ الشُّيُوخُ شُعَاعَ فَضْلِكَ مِثْلَمَا ... لَمَحُوا بِمُعْتَرَكِ الشُكوكِ صَوابا
وَأَمْضَى فِي قَضَاءِ الدِّينَوَرِ سِنِينَ عَدَدَا. فَسَلَكَ مَنْهَجَ الْعَدْلِ بِهِمَّةٍ لا تَعْرِفُ الْمَلَلْ. وَبَرَاعَةِ الْعَارِفِ بِمَرَاهِمِ الأَسْقَامِ وَالْعِلَلْ. فَكَبَتَ الْخِصْمَ الأَلَدّ. بِمَا مَنَعَ وَرَدَعَ وَقَوَّضَ وَهَدّ. مَعَ عِفَّةٍ وَدِيَانَةٍ. وَجَلالَةٍ وَصِيَانَةٍ. وَآدَابٍ تَأَلَّقَ جَمَالُهَا الْوَضَّاحُ. وَفَضَائِلَ تَأَنَّقَ أَرِيجُ عِطْرِهَا الْفَوَّاحُ.
نَادَتْ بِهِ الدِّينَوَرُ وَهِي مَرِيضَةٌ ... تَشْكُو الظَّمَا وَدُعَاؤُهَا اسْتِسْقَاءُ
فَانْهَلَّ مَاءُ الْمُزْنِ حَتَّى أَنَّهُ ... أَرْوَى الْبِلادَ وَجَادَتْ الأَنْوَاءُ
وَالأَرْضُ زَخَّرَفَهَا الرَّبِيعُ كَأَنَّمَا ... بُسِطَتْ عَلَيْهَا فَرْوَةٌ خَضْرَاءُ
وَافْتَرَّ ثَغْرُ الدَّهْرِ يَبْسَمُ ضَاحِكَاً ... وَعَلَيْهِ مِنْ نُورِ الْوَقَارِ بَهَاءُ
وَالزُّورُ وَلَى هَارِبَاً مِنْ بَأْسِهِ ... وَعَلاهُ مِنْ غَضَبِ الإِلَهِ غِشَاءُ
وَالْحَقُّ أَصْبَحَ وَاضِحَاً مُتَبَلِّجَاً ... بَيْنَ الأَنَامَ وَمَا عَلَيْهِ خَفَاءُ
هَذَا هُوَ الْخُلُقُ الْكَرِيْمُ بِمِثْلِهِ ... تَتَفَاخَرُ الْفُضَلاءُ وَالرُّؤسَاءُ
إِنَّ الْحَكِيمَ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ ... حَلَّ الشِّفَاءُ بِهَا وَزَالَ الدَّاءُ
¥