التاريخ الكبير .......
وبما تقدم يقوى الظن بأن ما نقله ابن يربوع من كلامٍ للبخاري يكون وجده في رواية من روايات التاريخ الكبير أو في نسخة من نسخِهِ، والرجل كما ذكروا عنه من أهل التحقيق والإتقان والشهرة بالضبط.
2 - رأيت البخاري استعمل مصطلح (الاحتمال) الذي ذكره في كلمته السابقة، فقد قال في ضعفائه الصغير في عبد الله بن أبي لبيد المدني: «وهو محتمل» [الضعفاء الصغير، ص69]، وعبد الملك بن أعين: «يحتمل في الحديث» [السابق، ص76]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف: «ليس بالقوي عندهم ... وهو محتمل» [السابق، ص80]، ومُحِل بن محرز الضبي: «قال يحيى القطان: لم يكن بذاك، قال ابن عيينة: لم يكن بالحافظ، وهو محتمل» [السابق، ص117]. ووجدته يقول في كتابه (القراءة خلف الإمام) في عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله المدني: «وليس هو ممن يعتمد على حفظه إذا خالف من ليس بدونه، وكان عبد الرحمن ممن يحتمل في بعض» [جزء القراءة، ص38، 39]، وقد قال عنه أيضًا في العلل الكبير للترمذي: «هو ثقة» [العلل الكبير، ص179]، وقال في التاريخ الكبير: «ربما وهم» [التاريخ الكبير: 5/ 258].
فهذا الاصطلاح يستعمله البخاري، ولا يعني به التوثيق المطلق كما ظهر لنا من النصوص الخمسة السابقة، وإنما يقوله في حق الرجل الذي له أوهام ولا يسقط حديثه ويضعف مطلقًا، وربما كانت قريبة الشبه بمرتبة (صدوق يخطئ)، والله أعلم.
وعلى أية حال، فإن استعمال البخاري للفظة (الاحتمال) مما يدل على أنْ ليس في النص الذي نقله ابن يربوع ما يستنكر أو يخالف منهج البخاري واستعمالاته للمصطلحات.
3 - من خلال اطلاعي على كتاب التاريخ الكبير لاحظت أن نصوص البخاري في تعديل الرواة وتوثيقهم قليلة جدًا، بل نادرة، إذا ما قورنت بنصوصه التي ينتقد فيها الرواة بمثل قوله: «فيه نظر» و «منكر الحديث» و «لا يتابع عليه» و «لم يصح حديثه»، ونحو هذه العبارات النقدية التي فيها طعن وجرح لبعض الرواة.
وكنت قبل أن أطلع على ما نقله ابن يربوع أسائل نفسي: لماذا يكثر البخاري من جرح الرواة، ولا يكاد يوثق في تاريخه الكبير الكثير من ثقات المحدثين ومشاهيرهم؟ فلما وقفت على كلامه تجلى لي منهجه وتبين الأمر.
ولعل في هذه الأمور ما يجعل القلب يركن إلى ثبوت الكلام الذي نقل عن البخاري في بيان منهجه في كتابه التاريخ الكبير.
ويظهر أن قول البخاري: «ومن لم أبين فيه جُرحةً فهو على الاحتمال» يدخل فيه الثقة ومتوسط الحفظ وكل راوٍ ضُعّف ولم يشتد ضعفه، ويوضح الأمر أكثر ويفسر مقصوده أنه قد قال: «كل من لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه فلا أروي عنه»، فغير المحتمل عنده من يترك هو الرواية عنه، وكل من تميَّزَ صحيح حديثه من سقيمه فهو يروي عنه، وهو المحتمل عنده فيما يظهر لي.
والقاعدة السابقة لم أر من نبه عليها، وإنما رأيت لبعض المشتغلين بالحديث وهو الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رسالة [مضمنة في تعليقه على كتاب الرفع والتكميل، ص230 - 248، وعنوانها: (سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ولم يأت بمتن منكر يعد توثيقًا)] يذهب فيها إلى أن الرجل إذا سكت عنه المتكلمون في الرجال كالبخاري وأبي حاتم وابن عدي يعد سكوتهم توثيقًا له، وهذا كلام فيه نظر، وقد تولى غير واحد من الباحثين الرد على الشيخ عبد الفتاح، ولم أرَ أحدًا من الطرفين وقف على نص البخاري السابق، وهو فيما أظن يحسم النزاع، إذ إن لفظ الاحتمال لا يعني التوثيق المطلق، بل هو - أعني النص السابق المروي عن البخاري - أشبه ما يكون بقول أبي داود في سننه: «وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، ومنه ما لا يصح سنده، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض» [رسالة أبي داود لأهل مكة، ص27، 28].
ولا يخفى أن حديثنا عن البخاري فقط، ولا يدخل ابن أبي حاتم أو غيره معنا هنا ".
انتهى كلام الشيخ خالد الدريس.
ولعلَّ من كان من الإخوة والمشايخ عنده تعقيبٌ أو تعقُّبٌ أو فائدة = أن يتحفَنا بذلك.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[19 - 09 - 05, 12:06 ص]ـ
جزاك الله خيراً،
وهذا ما أستطيع أن أكتبه الآن، وأنت تعرف لماذا؟!
ـ[هشام الحلاّف]ــــــــ[19 - 09 - 05, 10:06 ص]ـ
¥