تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأقسامهِ المُختلفةِ.

المبحث الخامس: فوائد المستخرجات ومعاجم الشُّيوخ والمَشيخات

إنَّ تتبعَ الطُّرق المختلفة للروايةِ الواحدةِ، ومحاولة ربط الأسانيد بعضها ببعضٍ، ومحاولة بيان الإسناد العالي وأقسامهِ المختلفةِ للرواياتِ ليسَ هو الغرض الوحيد للمُصَنِّفِينَ للمُسْتَخْرَجَاتِ، وَمعاجم الشُّيوخِ والمَشْيَخَاتِ ([177]). . وإنَّما شَاركَتهُ أغراضٌ أُخرى مُتَعَدِّدة حاولَ المُصَنِّفُون مُعالجتها، بعضها يتعلَّقُ بالأسانيدِ، وبعضُها الآخرُ يتعلَّقُ بالمتونِ، ويُمكنني أن أُجْمِلَ بعضَ هذهِ الأغراض وفوائدها بما يأتي:

ا- عُلُو الأسنادِ: إنَّ علو الإسناد: هو قِلَّةُ الوسائِط في السَّنَدِ، أو قِدَمِ سَمَاع الرَّاوي، أو وفاته ([178])، وهو سُنَّةٌ مِن السُّنَنِ ([179])، ولذلِكَ استُحِبَّت الرِّحْلَة ([180]). قال أحمدُ بنُ حَنبلٍ: طلبُ الإسناد العالي سُنَّة عَمَّن سَلَفَ، لأنَّ أصحابَ عبدالله كانوا يرحلونَ مِنَ الكوفةِ إلى المدينةِ فيتَعَلَّمونَ مِن عُمَرَ وَيَسْمعونَ منهُ ([181])، وعُلوه يُبعِدهُ مِن الخَللِ المُتَطَرِّقِ إلى كُلِّ رَاوٍ ([182]).

ولذلكَ فإنَّ أصحابَ المُسْتَخْرَجات، ومعاجم الشُّيُوخِ قد حرصوا على هذهِ الفائدةِ في معظمِ مَرويَّاتهمِ، ومِن أمثلة ذلكَ ما أخرجهُ ابنُ ظهيرة في ترجمة شيخِهِ محمد بن أحمد ابن عبدالرحمن، مِن طريق سُليمان بنِ داودَ الهاشِمِيِّ، قثنا إبراهيم بن سَعْد، عن أبيهِ، عن عبدِاللهِ بنِ جَعفر ابنِ أبي طالبٍ رضي اللهُ تعالى عنهُما، قال: ((رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ القِثَّاءَ بالرُّطَبِ) ثُمَّ أتبعهُ بقولِهِ: ((وأخبرنا أعلا مِن هذهِ الروايةِ بِدَرَجتينِ معَ اتِّصَالِ السَّمَاعِ. . .)) ([183])، وذَكَرَ في ترجمة شيخِهِ محمد بن أحمد بن عبدِالعزيزِ حديث العِرْبَاض ابن سَاريَةُ رضي الله عنه عنهُ في مَوعظة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((فعليكُم بِسُنَّتي ... )) الحديث، ثُمَّ أتبعهُ بقولهِ: ((وأخبرنا أعلا مِن هذهِ الرواية بِدَرَجتينِ وأَتَمّ معَ اتِّصَالِ السَّماع. .))، وبعدَ أنْ ذَكَرَ الرواية بسندهِ، أتبعها بقولِهِ: ((وأخبرنا أعلا مِن هذهِ الرواية بِدَرَجَةٍ، وَمِنَ الأولى بثلاثِ دَرَجَاتٍ. .))، وبعدَ أن ذَكَرَ إسناده والرواية، عادَ فقال:

((وأخبرنا أعلا مِن هذِهِ الرواية بِدَرَجَةٍ، وَمِنَ الأولى بِأربع دَرَجاتٍ، وَمِنَ الثَّانيةِ بثلاثِ دَرَجَاتٍ. .)) ([184]).

2 - زيادة الثِّقَات: زيادةُ الثَّقاتَ، هو ما نراهُ زائِداً مِنَ الألفاظِ في رواية بعضِ الثِّقاتِ لحديثِ ما رواهُ الثِّقاتُ الآخرونَ لذلكَ الحديثِ، وتقَعُ هذهِ الزيادة في المَتْنِ بزيادةِ كلمةٍ، أو جُملةٍ، أو في الإسنادِ برفعِ موقوفٍ، أو وَصْلِ مُرْسَلٍ ([185]).

وهو فَنٌ لطيفٌ يُسْتَحْسَنُ العِناية بهِ، ويُعْرَفُ بجمعِ الطُّرُقِ والأبوابِ ([186]).

روى البُخَاريُّ بسندهِ عن محمد، عن شُعبة، عن سُليمان، عن إبراهيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عبدِاللَّهِ قال: لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُم بِظُلْمٍ} قال أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّنَا لَمْ يَظْلِم؟ فَاَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيم} ([187]). قال الحافظ ابنُ حجرٍ: زادَ أبو نُعيمٍ في ((مُسْتَخْرَجِهِ)) من طريقِ سليمان بنِ حَرْبٍ، عن شُعْبَةَ بعد قولهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيم}: فطابت أنفسنا ([188]).

ويُنَبَّهُ هُنا أنَّ صاحب المُستَخرج، أو المشيخةِ قد لا يُصَرِّحُ بالزِّيادات، وإنَّمَا يكتفي بِذِكْرِ الأسانيدِ المُخْتَلِفَةِ، والألفاظِ المُتَعَدِّدَةِ للرِّوايةِ الواحِدَةِ، تارِكاً أمر معرِفَةِ الزِّيادات إلى فِطنَةِ القارئ، ومعرفتِهِ بهذا الفَنِّ الجليلِ ([189]).

3 - القوة بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ: وفائِدتُهُ للتَّرْجيحِ عندَ المُعَارَضَةِ ([190]).

وقد تَطَرَّقَ ابنُ ظهيرة لهذا الفنِّ في معجمه، ومثال ذلكَ ما رواهُ في ترجمةِ شيخِهِ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ عبدِالرَّحمن حيثُ ذَكَرَ حديث كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ إذا سَافَرَ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير