في ص26،27 قال الكاتب: " عن غضيف بن الحارث الثمالي رضي الله تعالى عنه قال: بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا سليمان إنا قد جمعنا الناس على أمرين، فقال: وما هما؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منهما. قال: لم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة" رواه أحمد والبزار والمنذري وسند أحمد جيد". ثم قال الكاتب بعد ايراده الحديث: " فغضيف رضي الله عنه أثبت أن الدعاء يوم الجمعة ورفع الأيدي به على المنابر، وكذلك الدرس الديني ــ القصص ــ بعد صلاة الصبح وبعد العصر بدعة، سماها أمثل بدعكم، فوصفها بالحسن، كما ذكر أن التمسك بما كان عليه الأمر قبل البدعة التي استحسنها بقوله خير من إحداثها فقال: خير من إحداث بدعة، وخير أفعل تفضيل بين خيرين. ولذلك لا يزال الناس قديماً وحديثاً يقعدون بعد الصبح وبعد العصر للتذكير والقصص الديني ومدارسة العلم من غير إنكار عليهم".
قلت: (أولا): المذكور في الحديث رفع الأيدي على المنابر فقط وليس الدعاء فتأمل!.
(ثانيا): قول الكاتب: " سماها أمثل بدعكم فوصفها بالحسن "، لا يلزم من قوله: (أمثل بدعكم) وصفها بالحسن، فإنك تقول عن المخالفين أفضل ما يفعلونه كذا مع أنك تنكر عليهم كل ما يفعلونه، وأكثر أبو محمد ابن حزم ــ رحمه الله ــ من قول: " وهذا لا دليل عليه من قرءان ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس" وذلك في رده على المخالفين له من الفقهاء، مع أنه ــ رحمه الله ــ يبطل القياس كله كما هو معلوم من مذهبه. والإمام ابن حجر ــ رحمه الله ــ قال بعد ايراده الحديث السابق في فتح الباري: (وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر له أصل في السنة فما ظنك بما لا أصل له فيها فكيف بما يشتمل على ما يخالفها).
قلت: وهو الظاهر من قول غضيف رضي الله عنه إذ قال لهم ـ كما في الحديث ـ ولست بمجيبكم إلى شيء منها. قال: لم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة".
(ثالثا): قول النبي صلى الله عليه وسلم ــ كما في الحديث الذي أورده الكاتب ــ: " فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة " لا يدل على أن التفضيل بين خيرين، فإن الله تعالى قال: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) وقال تعالى: (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ التِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا).
ص35 قال المؤلف ــ حفظه الله ــ تحت عنوان " وجوب العمل بالحديث الضعيف إذا ما تلقاه الناس بالقبول و عملوا بمدلوله، و يكون ذلك تصحيحاً له":ــ
1ــ يقول الإمام السخاوي في فتح المغيث: إذا تلقت الأمة الضعيف بالقبول يعمل به، أي وجوباً، و يكون ذلك العمل تصحيحاً له.
قلت: العنوان كله عجيب لم يقل به أحد كما يتضح فيما يأتي.
و أما نقله عن الإمام السخاوي فعجيب أيضاً، فعمل الإمام السخاوي في (فتح المغيث) يفيد أنه
يرى العمل بالحديث الحسن لا الضعيف حيث قال في (فتح المغيث):ـ
"ولذلك قال النووي رحمه الله في بعض الأحاديث، وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوى بعضه بعضاً، ويصير الحديث حسناً ويحتج به وسبقه البيهقي في تقوية الحديث بكثرة الضعيفة. وظاهر كلام أبي الحسن بن القطان يرشد إليه، فإنه قال: هذا القسم لا يحتج به كله بأن يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل موافقة شاهد صحيح أو ظاهر القرآن واستحسنه شيخنا.
وصرح في موضع آخر: بأن الضعف الذي ضعفه ناشئ عن سوء حفظه إذا كثرت طرقه ارتقى إلى مرتبة الحسن، ولكنه متوقف في شمول الحسن المسمى بالصحيح عند من لا يفرق بينهما لهذا."
و قال في موضع آخر من (فتح المغيث):ــ
وبالجملة فالترمذي: هو الذي أكثر من التعبير بالحسن، ونوه بذكره، كما قاله ابن الصلاح، ولكن حيث ثبت اختلاف صنيع الأئمة في اطلاقه فلا يسوغ إطلاق القول بالاحتجاج به، بل لابد من النظر في ذلك.
¥