، ما أردنا إلا الخير. قال: و كم من مريد للخير لن يصيبه. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. وايم الله ما أدري، لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.
قلت: يتضح من هذا الأثر ما يأتي: ــ
1 ــ أن العمل لا يكفي أن يكون له أصل في السنة، ولكن يجب أن تكون الكيفية مشروعة، فإن كانت الكيفية مخالفة للسنة فهي بدعة من البدع، وهي البدع الإضافية التي زعم الكاتب أنها حسنة.
2 ــ لم ينكر عليهم ابن مسعود مجرد الذكر الجماعي ــ كما توهم الكاتب وأرجع ذلك إلى أنهم كانوا في زمان الفتنة!!! ــ بل أنكر عليهم الوسيلة التي اتبعوها وما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا أمر بها، يدل لذلك أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لهم: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ ولم يقل لهم: ما الذي أجلسكم في المسجد تذكرون الله.
3 ــ القوم استحسنوا ما فعلوا، وله أصل في العموم، ولذلك قال أبو موسى رضي الله عنه: ولم أر والحمد لله إلا خيراً، ومع ذلك أنكره بدليل أنه أخبر ابن مسعود، كما أنكره عليهم ابن مسعود، مع أنهم زعموا حسن النية، فهذا يدخل تحت البدع التي زعم الكاتب حسنها.
4 ــ الأثر دليل على أن استخدام المسبحة في التسبيح والتكبير بدعة ضلالة، لأن القوم استعملوا الحصى في التسبيح والتكبير والتهليل، وأنكر عليه ابن مسعود، ولا فرق بين أن يكون الحصى منظوماً أو غير منظوم، وهو الأمر الذي استحسنه الكاتب في كتابه، وقال إنه من البدع الحسنة.
قلت: و مما يدل على أن الكاتب لم يفهم العلة التي من أجلها نهاهم ابن مسعود، أنه قال ص109: " ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحاً معلوماً. فقال ذلك عنهم" مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتسبيح المعلوم في أكثر من موضع أحدها وأشهرها التسبيح بعد الصلاة، وإنما نهاهم عبد الله ابن مسعود لأنهم خالفوا سنة نبيهم في كيفية التسبيح. والحمد لله رب العالمين.
وفي ص125 قال الكاتب تحت عنوان (وهل التوسل إلى الله بأحد من خلقه يعتبر بدعة اعتقادية؟:ــ
إختلفوا حول التوسل والوسيلة حيث جعلها البعض شركاً أو طريقاً إلى الشرك، وجعلها البعض الآخر جائزة لا غبار عليها. والتوسل لغة معناه التقرب. وتوسل إلى الله بوسيلة: تقرب إليه بعمل. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ) " المائدة: 35 " أي تقربوا إليه بطاعته. و عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة". رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة. والوسيلة هنا لها معنى خاص بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة" رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي، وجاء في تفسير الألوسي الجزء السادس تفسير الوسيلة: الحاجة، ولعل المراد بها حينئذ حاجة يطلبها المرء ويتقرب إلى من يطلبها منه بما يحب رجاء تحصيلها.
اتفق العلماء جميعاً على جواز التوسل بمعنى خاص، واختلفوا في معاني أخرى له. يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب قاعدة جليلة: ولفظ التوسل يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين:
أحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل إلى الله تعالى بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وبطاعته.
¥