ويتمادى الكاتب في النقل عن الدكتور عزت عطية فيقول: قال: وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه من عدم جواز الخلط بين القسم والسؤال. وننتهي من ذلك إلى أنه لا يوجد ما يمنع شرعاً من السؤال بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو ذات غيره من الصالحين مما لم يعبد من دون الله تعالى، وذلك له دليله الشرعي. يقول ابن تيمية في قاعدة جليلة: السؤال بذات الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يجوزه طائفة من الناس ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف وهو موجود في دعاء كثير من الناس، لكن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ضعيف بل موضوع، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة إلا حديث الأعمى ودعاء عمر في الاستسقاء المشهور بين المهاجرين والأنصار. انتهى كلام ابن تيمية وأقول: إنه أثبت حجية ذلك بحديث الأعمى واستسقاء الصحابة وبرغم رده على ذلك فهو ردّ للحديث الصحيح ولأعمال الصحابة رضي الله عنهم كما نبينه.
قلت: سبحانك هذا بهتان عظيم! أو كلما لم يفهم رجل كلام العلماء اتهمهم، فهذا اتهام لشيخ الإسلام أنه يرد الأحاديث الصحيحة، وهو الذي كان يعض عليها بالنواجذ.
فما نقله عن شيخ الإسلام (لكن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ضعيف بل موضوع، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة إلا حديث الأعمى ودعاء عمر في الاستسقاء المشهور بين المهاجرين والأنصار)، فهل أثبت ابن تيمية حجية ذلك كما زعم؟ إنما يقول (قد يظن أن لهم فيه حجة) أي قد يظنون هم، أو يظن السطحي الفهم أن لهم فيه حجة كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا)
في تفسير الجلالين: (وغروبها في العين في رأي العين وإلا فهي أعظم من الدنيا). وكذلك قال غير واحد من المفسرين بنفس المعنى.
وكذلك في قوله تعالى: (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء) فهو ليس ماء في الحقيقة، لكن في نظر الظمآن. والأمثلة على ذلك كثيرة من القرآن والسنة، ومن كلام العرب، ولله الحمد.
فثبت ــ بفضل الله تعالى ــ أن شيخ الإسلام لم يرد الأحاديث الصحاح، ولا أعمال الصحابة، بل كان متبعاً لكل ذلك كما هو مشهور عنه رحمه الله تعالى.
وبعد أن أشار الكاتب إلى حديث الاستسقاء بعم النبي صلى الله عليه وسلم قال: ــ
يقول الدكتور عزت عطية في البدع: والمتأمل في كلام ابن تيمية يجده ينفي وقوع التوسل أو سؤال الله تعالى بمخلوق مطلقاً ولكنه لايقدم لنا دليلاً على ذلك. بل إن الأدلة في الشرع قامت على خلافه، فالصحابة بلا مخالف توسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وتوسلوا بعده بعم النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: قوله: (بل إن الأدلة في الشرع قامت على خلافه ... الخ) عجيب جداً، فلو جاز التوسل بأحد بعد موته ما كان يجدر بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين أن يرضوا بالنبي بديلاً. فلما توسلوا بعمه بعده، دل ذلك على أنهم كانوا يرون عدم جواز التوسل به بعد موته صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره؟!
وإليك بعض ما قاله شيخ الإسلام في هذا الشأن: ــ
(فلو كان توسلهم به في مماته كتوسلهم به في حياته لكان توسلهم به أولى به من توسلهم بعمه العباس ويزيد وغيرهم فهل كان فيهم في حياته من يعدل عن التوسل به والاستشفاع إلى التوسل بالعباس وغيره وهل كانوا وقت النوازل والجدب يدعونه ويأتون العباس أم هل يفعل هذا مؤمن فلو كان التوسل به في مماته كما كان في حياته لزم أن يكون المهاجرون والأنصار إما جاهلين بهذه التسوية وهذا الطريق أو أنهم سلكوا في مطلوبهم أبعد طريق و كلاهما لا يصفهم به إلا من كان من جنس الرافضة الأراذل القادحين في أولئك الأفاضل ثم سلف الأمة و أئمتها و علماؤها إلى هذا التاريخ سلكوا سبيل الصحابة في التوسل في الاستسقاء بالأحياء الصالحين الحاضرين ولم يذكر أحد منهم في ذلك التوسل بالأموات لا من الرسل ولا من الأنبياء ولا من الصالحين فمن ادعى أنه علم هذه التسوية التي جهلها علماء الإسلام و سلف الأمة و خيار الأمم و كفر من أنكرها و ضلله فالله تعالى هو الذي يجازيه على ما قاله و فعله)
¥