تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالقول بأن التمتع وفسخ الحج بالعمرة واجب إلى يوم القيامة قول ضعيف، والسنة دالة على ضعفه؛ ولذلك لما جاء عروة بن مضرس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: يا رسول الله، أقبلت من جبل طي أكللت راحلتي وأتعبت نفسي وما تركت جبلا ولا شعبا إلا وقفت فيه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((من صلى صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذا وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه)) وهذا عين الإفراد وقضى تفثه وهذا يدل على أن العموم وقع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في صبيحة يوم النحر، وهذا بعد أمره لأصحابه بفسخ الحج بالعمرة، وأمره عليه الصلاة والسلام بفسخ الحج بالعمرة جاء لسبب عارض وهو التشريع كما لا يخفى، فقد كانت العرب في جاهليتها الجهلاء تحرّم العمرة في أشهر الحج، فاحتاج النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أن يبطل هذه العادة المختلقة المكذوبة من دخائل الجاهلية والوثنية في تحريم العمرة في أشهر الحج، وكانوا يقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر فكانوا يعتقدون ذلك ويرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور؛ ولذلك لما أمر النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - الصحابة أن يتحللوا بعمرة قالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ قال: ((الحل كله)) قالوا: أنذهب إلى منى ومذاكرنا تقطر منيا؟! فلما رأى منهم هذا الاستبطاء قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)) مبالغة في إنكار هذا الاعتقاد الجاهلي وإبطال تحريم العمرة في أشهر الحج، وينبغي وضع النصوص في دلالتها خاصة إذا وجدنا جماهير السلف والأئمة -رحمهم الله- على هذا أن الإفراد جائز إلى يوم القيامة، ومن أراد أن يفرد فليفرد، وقد قال عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بعد وفاة النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وعلي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وأفتوا به الناس بل كما قال علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، وهذا يدل على جواز الإفراد، فهل يمكن لهما أن يقولا بشيء منسوخ أو شيء لا يصح حاشا وكلا! ولذلك يجوز للمسلم أن يفرد وأن يتمتع وأن يقرن ولا ينكر عليه واحد من هذه؛ إلا أن من تأول تفضيل أحدها عليه أن يتقي الله وأن لا يبالغ في تأويله فينكر على غيره مادام أن له سلفا وله دليل. هذا بالنسبة لمسألة التفضيل في المناسك.

قال رحمه الله: [ثم الإفراد]: الذين قالوا بتفضيل الإفراد قالوا إن كل من قال بالتفضيل يجعل الإفراد هو الثاني، فالذين قالوا بتفضيل التمتع قالوا التمتع ثم الإفراد ثم القران، والذين قالوا بتفضيل القران قالوا القران ثم الإفراد، والتمتع قالوا إنه أفضل؛ لأنه يجمع بين نسكين، وحينئذ لاشك أن ثواب النسكين ليس كثواب النسك الواحد.

وثانيا أنه يتكلف أعمال العمرة قبل الحج، وهذا أكثر، ومن هنا كان أفضل؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - تمناه، هذا بالنسبة لحجة من قال بتفضيله.

ومن قال بالإفراد فقالوا: لما ذكرنا:

أولا: أنه أتم للنسك؛ وقد قال الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} وفسر الصحابة الإتمام بالإفراد.

وأما بالنسبة لكون التمتع مفضولا قالوا لأنه يخل فيما بين النسكين بإصابة الأهل؛ ولأنه لم يرجع إلى الميقات فيحرم بالحج كان المفروض أن يرجع إلى ميقاته فتمتع وترفه بالنساء وسقط عنه السفر الثاني فصار دمه دم جبران، قالوا فصار أنقص من الإفراد من هذا الوجه، وأكدوا أفضلية الإفراد بعمل الخلفاء الراشدين بعد النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -.

والذين قالوا بالقران لما ذكرنا، وعلى كل حال الجمع بين هذه بالتفصيل الذي ذكرنا من أن أوضاع الناس تختلف، فمن أمكنه سوق الهدي فالقران له أفضل، ومن أمكنه أن يأتي بكل منهما بسفر مستقل فالإفراد أفضل، وأما كما هو حال كثير من الناس الآن بصعوبة خاصة من الآفاقيين إذا كان يصعب عليهم أن يفعلوا ذلك فالتمتع لهم أفضل أن يجمعوا بين النسكين وأن يأخذوا برخصة الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير