قال رحمه الله: [وحمده ودعا]: وحمد الله ودعا: الدعاء عند رؤية البيت كل هذه قال بها بعض العلماء -رحمهم الله- واستحبوها، ولكن الاستحباب حكم شرعي، والدخول إلى المسجد فيه سنن صحيحة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحفظ دخوله -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع أمام أمته وأصحابه صلوات الله وسلامه عليه ولو اختلف هذا الدخول عن غيره لبيّنه بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه فهذا الذي ذكره من رفع اليدين والتكبير والدعاء عند رؤية البيت قال به بعض العلماء، وفيه آثار لم تصح، ولذلك البقاء على الأصل المسنون الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو الذي ينبغي العمل به.
قالوا: يستحب أن يدعو بقوله: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما ومهابة وبرا، وفي بعض الروايات عن ابن جريج وهي منقطعة: ((وزد مَنْ شرّفه وكرّمه وعظمه ممن حجه واعتمره مهابة وتشريفا وتكريما وبرا)) ولكن هذا الدعاء يروى مرفوعا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والحديث ضعيف، بل هو من رواية الكذابين والوضاعين، ومثل هذه الرواية لا تنجبر ولا تقبل التحسين؛ لأن شرط الانجبار أن لا يكون من طريق الكذاب والوضاع
وحيث تابع الضعيفَ معتبر فحسنٌ لغيره وهو نظر
إن لم يكن لتهمةِ بالكذبِ أو الشذوذ فانجباره أُبِي
هذا الذي من عنده قد امتضى من حقَّق الحسنى وجاء المرتضى
فالأصل أن الأدعية والأفعال الخاصة في العبادات أنها توقيفية، ولا يمكن أن تجعل هذه الأدعية سنة للأمة بروايات الكذابين والوضاعين، وعلى المسلم أن يأتسي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيما صح وورد عنه.
أما رفع اليدين عند رؤية البيت؛ فقد أنكره بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فقد روى الإمام الترمذي -رحمه الله- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- أنه سأله المهاجر فقال له: أترفع الأيدي عند رؤية البيت؟ قال: حججنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفكنا نفعله؟! والاستفهام إنكاري أي أننا حججنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا فعلناه، ولذلك لا يشرع رفع اليدين عند رؤية البيت ولا عند الدخول أيضا، وهذا ترجم له الإمام الترمذي -رحمه الله- في السنن بقوله: باب كراهية رفع اليد عند رؤية البيت.
قال رحمه الله: [ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا]: ثم يبتدئ بطواف العمرة: السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه ابتدأ الطواف ولم يصل تحية المسجد؛ والأصل في ذلك حديث جابر بن عبدالله وحديث عبدالله بن عمر وحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنهم- كلهم أثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل البيت ثم استفتح بالطواف ولم يسبق الطواف شيء لا من الصلاة ولا من غيره، فدل على أن السنة أن يحيى البيت بالطواف.
ومن قال من العلماء: إنه يصلي تحية المسجد قبل الطواف فقوله مخالف للسنة، والأصل أن الطواف نفسه تحية البيت، وسيصلي بعد الطواف ركعتي الطواف؛ ولذلك يجزئ هذا الفعل عن التحية كلها.
فالسنة أن يبتدئ بالطواف قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: إنه أول ما بدأ به أن توضأ عليه الصلاة والسلام، ثم استلم الحجر، فبينت أنه توضأ لطوافه وللصلاة عقيب الطواف، ثم استلم الحجر، فكان أول ما بدأ أن حيى البيت بالطواف.
قال رحمه الله: [فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا]: ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا، وهذا الطواف ركن كما سيأتي إن شاء الله، ويبتدئ بطواف العمرة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حينما دخل في عمره ابتدأ بالطواف.
قال رحمه الله: [أو بطواف القدوم إن كان مفردا أو قارنا]: أي أنه إذا بدأ الطواف في الحج إما أن يبدأه بطواف عمرة إذا كان متمتعا، أو يبدأه بطواف القدوم الذي يكون للقارن ويكون كذلك للمفرد إن تيسر له قبل الوقوف بعرفة، فبين نوعية الطواف قبل ابتدائه.
¥