والصحيح أن رمل السعي يختلف عن رمل الطواف، فرمل السعي فيه شدة كما جاء في حديث حبيبة بنت أبي تجرات وكذلك حديث حبيبة بنت شيبة وهو السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحال هاجر بين الصفا والمروة ليس كحاله عليه الصلاة والسلام في إظهار الجلد في طوافه بالبيت فاختلف الرملان.
قال رحمه الله: [ويمشي في الأربعة الأخرى]: ويمشي في الأربعة الأشواط الأخرى، واختلف العلماء لو كان هناك زحام فإذا اقترب من البيت لم يستطع الرمل ولو ابتعد من البيت استطاع الرمل، فهل الأفضل أن يقترب من البيت فلا يرمل أو يبتعد عن البيت ويرمل؟
الأقوى أنه يبتعد ويرمل؛ لأن القاعدة أنه ((إذا تعارضت الفضيلتان المتصلة بالعبادة والمنفصلة قدمت الفضيلة المتصلة على المنفصلة)) وعلى هذا قالوا إن الرمل متصل بالعبادة لأنه بنفس الفعل في طوافه بالبيت بخلاف القرب من البيت والبعد هذا راجع إلى المكان، لكن هذا يشكل عليه إذا كان في الصف الأول لا يتمكن من التورك في الرباعية ولو تأخر للصف الثاني تمكن من التورك فهل معنى ذلك أن يترك الصف الأول وينتقل إلى الصف الثاني؟
أجابوا عن هذا وقالوا باختلاف الصورتين، ففضيلة القرب من البيت ليست نصية، وفضيلة الصف الأول نصية، ومن هنا تقدم فضيلة الصف الأول ويسقط، والفقيه يجد له مخرجا!
قال رحمه الله: [ويمشي في الأربعة الأخرى]: يمشي مشيا معتادا إذا بقيت الأربعة الأشواط يمشي مشيا معتادا فلا يخب.
قال رحمه الله: [وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل]: لا يستلم من البيت إلا الركنان: الركن اليماني، والركن الذي فيه الحجر الأسود؛ لأنهما هما ركنا البيت، وأما بالنسبة لبقية الأركان فإن قريشا تقاصرت بها النفقة فلم تستتم في بنائها للبيت، ولذلك يبقى من البيت عدة أذرع من الحِجْر كما ثبت في الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فهذان هما الركنان من البيت وهما اللذان يستلمان في قول جماهير العلماء والأئمة والسلف هذا هو الذي يستلم من البيت وأما الركنان الآخران فإنهما لا يستلمان؛ لأنهما ليسا هما ركني البيت؛ لأن البيت لم يكن كما في القصة المشهورة في بناء الكعبة حينما أرادوا أن يبنوها من مالهم وطلبوا المال الحلال فقصرت فيهم النفقة.
فالشاهد من هذا أن الاستلام لا يكون إلا للركن اليماني وللركن الذي فيه الحجر الأسود، ثم ينفرد الركن الذي فيه الحجر الأسود بالتقبيل، وينفرد بالإشارة عند عجز التقبيل، وينفرد بتقبيل ما يمسه من محجن وعصا بخلاف الركن اليماني، فالركن اليماني يقتصر فيه فقط على الاستلام بوضع يده ويكفي فيه ولا يقبل وهو قول جمهور العلماء والأئمة -رحمهم الله- أن الركن اليماني لا يقبل وإنما الذي يقبل الحجر الأسود، ولذلك قال: لولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبلك فأسند التقبيل إلى الحجر ولم يسنده إلى مكان الحجر وهو الركن، والفرق بين الركن ومكان الحجر واضح ظاهر، ولما قال: لولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبلك ما قبلتك دل على أنه لا يجوز التقبيل إلا إذا كان هناك ما يدل عليه من السنة ولم يأتِ في السنة التقبيل ولم يأت التقبيل إلا للحجر فدل على اقتصاره على الحجر.
وأما الإشارة تسامح بعض العلماء إن عجز عن الاستلام فإنه يشير وهذا راجع إلى مسألة: هل إشارة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للحجر قائمة مقام التقبيل أو أن الإشارة قائمة مقام المحاذاة أو أن الإشارة قائمة مقام الركن نفسه؟
وفي الحقيقة كونها قائمة مقام المحاذاة أقوى، وهذا مثل أجزاء الصلاة بأضعافها، ولذلك يشير فيكبر، فجمع بين القول والفعل كما ينتقل من جزء من ركعة إلى ركعة بالقول والفعل.
وفائدة هذا الخلاف أنه إذا كان في الشوط الأخير فسامت الحجر فإنه يشير؛ لأن الإشارة للمحاذاة وهذا يدل عليه قول الصحابي فإذا لم يستلم أشار بيده فدل على أنه جعل الإشارة لمكان المحاذاة وليست عوضا عن التقبيل ولا عوضا عن الاستلام.
¥