قال رحمه الله: [وكبر]: وكبر: قال: الله أكبر، فيستلم الركن اليماني والاستلام الركن اليماني أن يمسحه، ولذلك تقال: مسّح بالأركان وهي أركان البيت فإذا وضع يده عليه أو حرك يده كالماسح فإنه يجزيه، ثم لا يفعل بعد استلام الركن اليماني لا تقبيلا ولا مسحا على الوجه؛ فإنما يقتصر فقط على وضعها كما هي السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قال رحمه الله: [وهلل]: ويمشي بين الركنين معناه أنه لا يرمل بين الركن اليماني وبين الركن الذي فيه الحجر الأسود، وهذه مسألة خلافية.
والصحيح أنه يرمل من الحجر إلى الحجر؛ وذلك لأن ابتداء الرمل كان من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لكي يظهر الجلد لكفار قريش، وكان كفار قريش بحذاء قُعَيْقَعان؛ لأنه كان الشرط بأن يخلوا بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويبن المسجد، فظهروا على الجبل فكانوا من جهة الشامية ينظرون إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا يتمكنون من رؤيته إلا إذا توارى بالبيت، فكان إذا وصل الركن اليماني صار مستترا بالبيت، فمشى عليه الصلاة والسلام فيتقوى بهذا المشي على إظهار الجلد لهم أكثر، فلما كانت عمرته من الجعرانة كما في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعتمر من الجعرانة فرمل من الحجر إلى الحجر؛ لأنه قد زال المعنى وأبقى السنة على ما هي عليه وزال معنى النظر فأبقى السنة كاملة بأن يرمل الثلاثة الأشواط تامة كاملة وهو أصح الوجهين عند أهل العلم -رحمهم الله-.
قال رحمه الله: [وهلل]: كبر وهلل ثم يمشي بين الركنين ويقول المأثور قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أي بين الركن اليماني وبين الحجر الأسود.
قال رحمه الله: [ويقول بين الركنين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار]: وهذا الدعاء من أجمع الدعاء الوارد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكل دعائه من جوامع الكلم -صلوات الله وسلامه عليه-، وكان أكثر دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هذا الدعاء كما صح عن أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه كان أكثر دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)).
وللعلماء في تفسير هذه الآية الكريمة لأن الله أثنى على من دعا بها في نسكه للعلماء أقوال: منهم من فسرها بالخصوص، فقال: الحسنة في الدنيا الزوجة الصالحة، والحسنة في الآخرة دخول الجنة.
والصحيح أن قوله: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة)) المراد به العموم، والحسنة تكون حسنة الخير في الدين والدنيا والآخرة، فهي نكرة تفيد العموم.
ومن خصص من السلف في التفسير فقد ذكر الأئمة والمحققون منهم شيخ الإسلام -رحمه الله- أن ما أثر عن الصحابة -رضوان الله عليهم- وأئمة التفسير من ذكر الأفراد إنما هو تمثيل بالنوع لا يقتضي الحصر في هذا النوع بعينه، فإذا دعا الإنسان لا يعتقد هذا أن قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة أنها الزوجة وإنما يقصد العموم.
كان أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يقول إن أكثر دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) فمن هو السعيد الذي أعطاه في الدنيا حسنة، وأعطاه في الآخرة حسنة، ووقاه عذاب النار، هذا أسعد الناس بل إنه الفائز الرابح المفلح {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} فهذا مزحزح عن النار؛ لأنه يقول: وقنا عذاب النار ومن وقاه الله عذاب النار فقد فاز فوزا عظيما.
فالمقصود من هذا أن هذا الدعاء يحرص عليه، ولذلك نبه العلماء والأئمة أن هذه الدعوة من جوامع دعائه وكلمه -عليه الصلاة والسلام- التي ينبغي الحرص عليها في الحج، بل قال بعض مشايخنا -رحمهم الله- في الحج وغيره؛ لأن أنسا 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان إذا دعا دعوة دعا بها وإذا دعا بغيرها جعلها مع الدعاء حرصا على هذه الدعوة العظيمة يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
¥