تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الخروج من عرفة –صلوات الله وسلامه عليه -.

خرج عليه الصلاة والسلام بعد صلاة الصبح، وضربت له قبته بنمرة – نَمِرة ونِمْرة ونَمْرة – موضع ما بين حدود الحرم والوادي – وادي عرنة-، وهذا الموضع يقرب من نصف كيلو خمسائة متر، نزل به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل الزوال وهذه هي السنة، فدل على أن السنة أن لا يدخل عرفة إلا بعد زوال الشمس؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فضربت له القبة صلوات الله وسلامه عليه وكانت قريش تظن أنه لا يخرج من حدود الحرم وكان هذا من مختلقات قريش، ويقولون: نحن الحمس ونحن أهل الحرم، فكانوا لا يخرجون؛ ولذا قال تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} وهذه يسميه العلماء من مسائل الجاهلية التي أحدثوها على دين الحنيفية واختلقوها، هذه مختلقات العرب، وقد نظم فيها بعض العلماء نظما، ومنها: مسألة التعشير وهي نهيق الحمار وادّعو أنها من الحنيفية، وكذبوا وفجروا، وقد بيّن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه يجب الجمع بين الحل والحرم في نسك الحج، فنزل عليه الصلاة والسلام قبل الزوال في هذا الموضع، فلما زالت الشمس أمر بناقته – عليه الصلاة والسلام- القصواء فرحّلت وركبها عليه الصلاة والسلام واستبطن الوادي ثم خطب الناس من بطن وادي عرنة.

قال رحمه الله: [فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين] فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر، فالسنة للإمام أن يخطب الناس، وأن يذكرهم بالله عز وجل وأن يبين شرائع الإسلام ومقاصده العظيمة، وأن يبين حدود الله ومحارمه، فيرغب ويرهب، ويذكر بالله عز وجل فتكون خطبته جامعة مؤثرة في الناس، وهذا هو هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولذلك خطب عليه الصلاة والسلام خطبة حجة الوداع فكانت أجمع الخطب لشرائع الإسلام ومقاصده العظيمة، وكل خطبه – عليه الصلاة والسلام – كذلك، بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه – وقد أمر بناقته فرحّلت، ثم استبطن الوادي، ثم خطب وفتح الله له مسامع الناس وهم في منازلهم -صلوات الله وسلامه عليه – وكان مما قال: ((أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا))، فاستخدم الأساليب المؤثرة في النفوس الداعية إلى الحفظ والوعي بالسنة والضبط للأحكام والشرائع وكان هديه -عليه الصلاة والسلام- في الحج من أكمل الهدي وأجمله وأعلاه وأسناه، فمن تأمل أحواله عليه الصلاة والسلام في حجه منها حالة التعليم ومنهجه في التعليم في الحج، وكيف كان عليه الصلاة والسلام يقرع القلوب ويقرع الأسماع ويدخل تلك القلوب فيؤثر فيها صلوات الله وسلامه عليه بما منحه الله وأعطاه من بليغ المقال وصدق المقام، فكانت خطبته من أجمع ما تكون وأبلغ ما تكون، وقد جمع الله له بين أمرين عظيمين ما حصلهما خطيب إلا نفع الله بخطبته، ولا واعظ إلا نفع الله بوعظه، ولا متكلم إلا نفع الله بكلامه: أول الأمرين: أنه ما كان لا يقول إلا صدقا وحقا، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين- فكان كلامه على الحق، فلا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فقال فصدق وبر -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه-،

أما الأمر الثاني: فكان يتخيّر الكلمات الطيبات الطاهرات المباركات الجامعات؛ استجابة لأمر الله عز وجل حيث قال له: {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} فكان قوله بليغا، سريع التأثير في النفوس، فبمجرد أن ابتدأ خطبته وقال هذه الكلمة شنّف الأسماع وارتفعت الأبصار إليه -عليه الصلاة والسلام- وخشعت القلوب وأصغت إلى نبي الأمة وهاديها ومعلمها.

وقف عليه الصلاة والسلام على ناقته شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فقال في خطبته الكلمات العظيمة المؤثرة، فذكّر الناس بالله وبتوحيده وبأصل دينه وشرعه، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وأقام لهم معالم الحنيفية، وهدم معالم الشرك والوثنية، وأخذ الناس من عبودية الناس إلى العبودية لرب الجنة والناس، سبحانه وتعالى، ودعاهم إلى التوحيد ونبذ عبادة غير الله عز وجل ثم بعد ذلك بين لهم شرائع الإسلام، فأحلّ الحلال وحرم الحرام، وبين كمال الدين وتمامه، وبيّن أعظم الحرمات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير