تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأجلها وأخطرها على العبد: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)). فذكرهم أيضا صلوات الله وسلامه بحرمة الدماء وحرمة الأموال وحرمة الأعراض، فكل مسلم في كل ساعة، وفي كل دقيقة، وفي كل لحظة مطالب أن يتذكر في معاملته مع إخوانه أن يتذكر هذا الموقف العظيم من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حينما يقف موقفا واحدا لم يقف قبله ولا بعده مثله أبدا، هو الموقف الوحيد، فما ظنك لو وقف هذا الموقف واختار شيئا ينبه عليه أليس هذا الشيء من أعظم الأشياء وأهم الأشياء؟

الجواب: بلى. ولذلك اختار ماذا؟ اختار حرمة المسلم أي يوم هذا اليوم أي شهر هذا الشهر ثم قال: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى. قال: اللهم فاشهد)). فكان يرفع إصبعه إلى السماء وينكتها عليهم. لكي لا يبقى لمسلم عذر أمام الله عز وجل إذا اغتاب مسلما أو سبه أو شتمه أو اتهمه أو استباح منه عرضاً فقذفه -والعياذ بالله-، ولا يبقى له عذر أمام الله إذا استباح دما محرما بدون بيينة ولا برهان، ولا يبقى له عذر أمام الله إذا أخذه وعمل عنده وكدح عنده الشهور ثم قال له: ليس لك عندي من شيء، أو أعطاه مالا دينا ثم قال له: لم آخذ منك شيئا، فإن هذه الدماء والأموال والأعراض كلها حقوق بيّن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عظمها وخطرها، وقرن الدماء وقرن الأعراض والأموال بالدماء. فهذه حرم عظيمة بيّنها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بين حقوق الزوج مع زوجته، واختار المقاطع المؤثرة والكلمات الجميلة، وكل كلامه عليه الصلاة والسلام جميل حري بطالب العلم وحري بالمسلم أن يقرأ هذه الخطبة، وأن يتأملها، وأن ينظر ما فيها، وأن يجمع بين العلم والعمل والتطبيق والدعوة، فينبه الناس على ما نبه عليه الصلاة والسلام، ولشرف هذا لمكان، وشرف الزمان، وشرف المقام الذي قامه -عليه الصلاة والسلام- فقال هذه الخطبة المؤثرة نزلت عليه آية لو نزلت على اليهود لاتخذوا يومها عيدا كما في الصحيح عن عمر حينما سئل عنها فقال: ألا إني أعلم متى نزلت. نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوم عرفة {اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فالسنة أن يصلى الظهر والعصر مع الإمام، يتحرى هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في صلاة الظهر والعصر مع الإمام هذا أفضل وأكمل، فإن تأخر ولم يدرك الجماعة فإنه يصلي الظهر والعصر مع ركبه وجماعته؛ لأن الجمع هنا من أجل أن يتفرغ للدعاء وهو جمع نسك، ولذلك يشرع للمكي كما يشرع لغير المكي.

قال رحمه الله: [يجمع بينهما بأذان وإقامتين]: يجمع بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين كما صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

قال رحمه الله: [ثم يروح إلى الموقف]: ثم يروح إلى الموقف: الرواح يكون في آخر النهار، فالسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه خطب الناس، ونزل وصلى الظهر والعصر بالناس ثم مضى إلى الموقف، وتفرغ عليه الصلاة والسلام من بعد الصلاة إلى مغيب الشمس للدعاء وسؤال الله عز وجل من رحمته، فشرع للأمة أن يحرصوا على هذا الوقت المبارك، وهو وقت ليس في العام كله مثله؛ ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة)) وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه الناس من النار من يوم عرفة، فهو اليوم العظيم الذي ينبغي للمسلم أن يستشعر فضل الله عز وجلعليه إذ اختاره وافدا عليه، وحمله في البر والبحر، ورزقه من الطيبات حتى وقف هذا الموقف، وكم من أناس وأمم كانت تتمنى بلوغ عرفة، فمنهم من مات، ومنهم من التقمته البحار والقفار، فإذا دخل عرفات أحس بنعمة الله عز وجل ثم أحس بفضل الله عز وجل أن بلغه هذا المكان؛ ولذلك كان السلف الصالح -رحمهم الله- يستشعرون الرحمة من الله بتوفيقه لهم بالوصول إلى هذا المكان. يقول عبدالله بن المبارك -رحمه الله-: ((دخلت على سفيان الثوري يوم عرفة فوجدته مبتهلا يبكي وقد بلّل ثوبه بالدموع. فقلت له: من هو المحروم اليوم؟ قال: من ظن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير