ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[29 - 10 - 07, 11:44 ص]ـ
قال الإمام المصنف -رحمه الله تعالى-: [باب ما يفعله بعد الحل]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد ترجم الإمام المصنف -رحمه الله- بهذه الترجمة، والتي تتعلق بالأفعال التي يسن ويشرع للمسلم أن يفعلها يوم النحر وأيام التشريق ولياليه، وهذا ما يعبر عنه العلماء بما يفعل بعد الحل، فيشمل ذلك المبيت بمنى ليالي التشريق، ويشمل ذلك رمي الجمار في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر واليوم الثالث عشر لمن تأخر، ثم كذلك يشتمل هذا الباب على أحكام طواف الوداع، وكيف يودع الإنسان، فهذا كله يجعله العلماء -رحمهم الله- في هذا الموضع.
ومن فوائد هذا التقسيم: أنه يعين طالب العلم على ضبط المسائل، وحصر جملها في مواضع حتى يستطيع أن يتفرغ لكل موضع فيدرسه على حدة، فهذا لاشك أنه يعين طالب العلم كثيرًا ومن هنا شرع المصنف -رحمه الله- ببيان السنة وهدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالمبيت بمنى ورمي الجمار.
قال رحمه الله: [ثم يرجع إلى منى ولا يبيت إلا بها]: ثم يرجع بعد أن يطوف طواف الإفاضة ويسعى سعي الحج إن لم يكن سعى من قبل إلى منى فيبيت بها. [يرجع إلى منى]: سميت منى بهذا الاسم من كثرة ما يراق فيها من الدماء، وقيل في سبب تسميتها أشياء أخر فيها أحاديث ضعيفة ومرويات ضعيفة والأقوى والأشبه أنها سميت بهذا الاسم مراعاة لما يُمْنى فيها من الدماء أي كثرة ما يراق فيها من الدماء من دماء الهدي الواجب أو المستحب. ومنى لها بداية ولها نهاية، وهذه حدود مكانية، فهي -أعني مِنَى- شعب بين جبلين، يكتنفها الجبلان: أحدهما ثبير والثاني الصانع أو الصائح كما يسمى الآن، ويقال لثبير القابل هذان الجبلان هما حد منى من جهتهما. ما أقبل من الجبلين على منى فهو من منى، وما أدبر فليس من منى، وأما بالنسبة لحدها من طرفي الشِّعب فأولهما الحد من جهة مكة وهو جمرة العقبة. والصحيح أنّ الجمرة هي النهاية وما بعد الجمرة يعتبر خارجاً عن منى، وقيل إن العقبة نفسها من منى. والصحيح أنها ليست من منى، والسبب في ذلك أن الجمرة كانت في حِضْن الجبل الذي فيه العقبة، وهذا الجبل اختلف فيه والعقبة نفسها اختلف فيها هل هي من منى أو لا؟
والصحيح أنها ليست من منى ولكن الجمرة نفسها فيما سامتها مباشرة وما دونه من جهة المسجد يعتبر من منى، وذلك أن عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان يبعث رجاله يمنع من بات وراء جمرة العقبة ويأمرونه أن يرتحل إلى داخل منى فاعتبر العقبة وما وراءها خارجا عن منى.
وأما بالنسبة لحدها من جهة مزدلفة فهو وادي مُحسّر، وضفة الوادي هي نهاية منى من جهة منى، وضفّته الثانية نهاية مزدلفة من جهة مزدلفة، والوادي فاصل بينهما وقدر الوادي قدر رَمْيَة الحجر.
وبالنسبة لمنى قيل – بالمقاييس المتأخرة- إن مساحتها في بطن الوادي تقارب من أربعة ملايين متر مربع، وأما بالنسبة لسفوح الجبال سفح الجبل الأيمن والأيسر فتقارب من مليوني متر مربع حتى يصبح الجميع ستة ملايين متر مربع هذا هو محل المبيت وهو مشعر منى المعتبر.
[يرجع إلى منى فيبيت بها]: بمعنى أنه لا يبقى بمكة، وأنه ينبغي عليه أن يبيت بمنى ليلة الحادي عشر، وسيأتي إن شاء الله أن المبيت بمنى واجب من واجبات الحج، والسبب في ذلك ورود النصوص الدالة على وجوبه. وأما قول المصنف يرجع إلى منى فيبيت بها؛ تأسياً بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقد قدمنا أنه اختلف هل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلّى ظهر يوم العيد بمكة أو صلاه بمنى؟ واختلفت روايات الصحابة: فجابر وعائشة –رضي الله عنهما- يثبتان أنه صلى الظهر بمكة، وعبدالله بن عمر –رضي الله عنهما- يقول أنه صلى الظهر بمنى، وهي مسألة مشكلة عند العلماء -رحمهم الله-. لكن إن ثبت أنه صلى عليه الصلاة والسلام الظهر بمنى فيحرص على أن ينتهي من طواف الإفاضة ومن سعيه حتى يدرك صلاة الظهر بمنى؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
¥