وقيل: لا يصح وقوفه كما هو مذهب الشافعية والحنابلة، وقد بينا في مسائل العبادات المتقدمة أن المغمى عليه في حكم المجنون، والسبب في الخلاف هنا هل يلتحق بحكم النائم أو بحكم المجنون؟ والصحيح أنه في حكم المجنون؛ لأن المغمى عليه إذا نُبه لا يتنبه، وإذا أوقظ من غيبوبته لا يستيقظ، فلا يصح قياسه على النائم.
وعلى هذا لابد وأن يكون عاقلا. لا يشترط للوقوف الطهارة، فيصح الوقوف من الحائض ومن الجنب ومن النفساء؛ والدليل على ذلك قول عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: ((اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت))؛ ولأن عائشة رضي الله عنها وقفت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهي حائض، فدل على أنه يصح الوقوف من غير المتطهر، والأفضل أن يكون متطهرا.
كذلك لا يشترط في هذا الوقوف الطهارة في الثوب والبدن الذي يقف فيه على الأصل الذي ذكرناه في الطهارة من الحدث كما لا تشترط طهارة الحدث لا تشترط طهارة الخبث.
وأما بنسبة لوقت الوقوف فأولا أجمع العلماء على أنّ من وقف بعد زوال الشمس إلى أن تغيب الشمس ودفع مع الإمام أن وقوفه صحيح مجزئ معتبر؛ لأنّه وقوف النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأصحابه في حجّة الوداع من زوال الشمس بعد الزوال إلى مغيب الشمس وذهاب الصفرة هذا موقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبالإجماع معتبر.
ثانيا: أجمع العلماء على أنه لو وقف بعرفة قبل طلوع الفجر من يوم عرفة أو بعد طلوع الفجر من يوم العيد -عيد النحر- يعني تقدّم على الوقت أو تأخر أنه غير معتد بهذا الوقوف، فلو أنّ شخصا ليلة عرفة ذهب قبل الفجر بنصف ساعة فوقف بعرفة ثم دفع، فليس له حج ووقوفه غير معتد به، ولو أن شخصا ذهب إلى عرفات ولم يصل إلى عرفات إلا بعد أذان الفجر من يوم العيد لم يعتد بوقوفه إجماعا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((فمن أدرك عرفات قبل الفجر فقد أدرك الحج)) وكذلك قال عبدالله بن عمر: ((من أدرك عرفة من ليلة جمع قبل الفجر فقد أدرك الحج)) فإذا كان أدرك ما بعد طلوع الفجر أو أدرك قبل طلوع الفجر من صبيحة يوم عرفة؛ فإنه لا يجزيه.
ثالثا: مما أجمعوا عليه إذا وقف بعد غروب الشمس وقبل طلوع الفجر من يوم النحر أي ساعة ولو للحظة واحدة بعرفة صح ذلك وأجزأه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صحّح وقوف عروة بن مضرس حينما وقف بالليل، وقال: ((وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار)) فوقوف الليل قليله وكثيره سواء حتى ولو للحظة، بل حتى لو ركب سيارته وهو لا يعرف عرفات ثم ذهب السائق ومرّ بداخل عرفة بعد غروب الشمس ولو للحظة؛ فإنه يجزيه، فالقصد غير مؤثر؛ لأن المراد أن يكون جرمه وجسمه داخل حدود عرفات في هذا الوقت المعتبر.
إذًا ما كان بعد الزوال إلى غروب الشمس موقف بإجماع، وما كان بعد مغيب الشمس أي ساعة قليلا كان أو كثيرا إلى أن يطلع الفجر موقف بإجماع، فهذان الموضعان محلّ إجماع، وما كان قبل طلوع الفجر من صبيحة عرفة ليس بموقف إجماعا، وما كان بعد طلوع الفجر من صبيحة يوم النحر ليس بموقف إجماعا. بقي السؤال: إذا وقف بعد طلوع الفجر من يوم عرفة وقبل الزوال؟
فللعلماء في هذه المسألة قولان، وكذلك أيضا إذا وقف بعد الزوال ودفع قبل غروب الشمس، ففيه أيضا قولان.
أما بالنسبة لوقوفه بعد طلوع الفجر إلى زوال الشمس وخروجه قبل زوال الشمس فالجمهور على أن وقوفه غير صحيح، وأنه لم يحج، والواجب عليه أن يرجع ويدرك أي ساعة معتدّ بها على التفصيل الذي ذكرناه، وإلا كان غير حاجّ ولزمه أن يتحلّل بعمرة شأنه شأن من فاته الحج. من وقف بعد طلوع الفجر وقبل زوال الشمس من يوم عرفة لم يعتد بموقفه، وهذا هو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وانتصر لها شيخ الإسلام في الشرح.
القول الثاني: أنه يجزيه، وهي رواية ثانية عن الإمام أحمد.
¥