فأما الحال الذي يجوز أن يستأجر إذا لم يكن فيه غرر، والحال الذي لا يجوز أن يستأجر إذا كان فيه غرر. قالوا ومن الغرر: أن يقول له: اذبح الشاة ولك جلدها؛ لأنه لا يدري هل يخرج الجلد سليما أو معيبا؟ لأنه ربما أثناء السلخ يخطئ فيقدّ الجلد وهذا يضعف قيمة الجلد؛ ولذلك هو يقدّر أن الجلد في السوق قيمته مثلا عشرون ريالا، فهو إذا قدّه وقطعه نقصت قيمة الجلد؛ لأن الجلد إذا قطع سيمنع من الانتفاع به في السقاء بعد دبغه يعني سيؤثر على المنافع المترتبة عليه، فإذا كان سليما ليس كما لو كان معيبا؛ وحينئذ إذا قدُّ قد تنزل قيمته إلى عشرة ريالات، قالوا كأنه قال له: أستأجرك بعشرين أو عشرة أو خمسة عشر على قدر سلامة هذا الجلد، وهذا نوع من عقود الغرر، وهو أن يردده بين قيم محتملة لا يدرى هل يصيب أعلاها أو أدناها أو أوسطها، فسيأتي إن شاء تفصيل ذلك في باب البيوع.
وعلى كل حال أن الجزار لا يأخذ من البهيمة شيئا على أنه أجرة.
المسألة الأخيرة: أن التساهل في أخذ جلود البهائم في المسالخ دون إذن من الناس، وإلزامهم بذلك لاشك أن هذا أمر في محظور شرعي، وبخاصة إن بعضها صدقات، فتؤخذ ثم يتاجر بها. فالواجب استئذان أهلها، والتفريق بين الذبائح التي تكون عبادة، ولا يجوز بيع أجزاءها، وبين الذبائح التي هي من أملاك الناس إن شاءوا يتركونها فيملكها آخذها، وإن شاءوا يبيعونها أو يأخذوا العوض عليها كما هو معروف في الحقوق المالية.
قال رحمه الله: [والسنة أن يأكل ثلث أضحيته]: والسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يأكل ثلث أضحيته؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((كلوا وتصدقوا واهدوا)) فقوله: ((كلوا وتصدقوا واهدوا)) منقسم على ثلاثة، فجعل للأكل ثلثا، وللصدقة ثلثا، وللهدية ثلثا. وقال بعض العلماء: إنها تقسم على نصفين: نصف له يأكله ويهديه ويتصرف فيه، ونصف للمحتاجين؛ لقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} فجعلها على قسمين.
والتقسيم ثلاثة أقوى من جهة الكتاب والسنة؛ لأن الله تعالى يقول: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} وظاهر السنة يدل على التقسيم ثلاثا، واختار المصنف - رحمه الله - ذلك وهو أقوى.
قال رحمه الله: [ويهدي ثلثها]: ويهدي ثلثها: الهدية تكون لغير المحتاج، وتكون لآل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فيهدي أصدقاءه، ويهدي جيرانه إذا كانوا غير محتاجين ويتصدق للمحتاج.
قال رحمه الله: [ويتصدق بثلثها]: ويتصدق بالثلث كما ذكرنا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((وتصدقوا)) وقال الله تعالى: {وأطعموا البائس الفقير} فالسنة أنها لا تخلو من صدقة، لابد وأن يتصدق بشيء منها.
قال علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: ((وأن أتصدق بجلودها وأجلتها)) أمره عليه الصلاة والسلام أن يقوم على البدن وأن يتصدق بجلودها وأجلتها.
قال رحمه الله: [وإن أكل أكثر جاز]: وإن أكل أكثر جاز: يدل على الاستحباب، لكن لا تخلو الذبيحة من صدقة، ولا يخلو المسكين من حق فيها، يبقى القدر المستحب والأفضل، والذي استحبه بعض العلماء النصف؛ لأنه أكثر أجرا وأعظم. وظاهر الكتاب فيما يدل على استحباب النصف ومنهم من استحب الثلث على ما ذكرناه في الحديث.
قال رحمه الله: [وله أن ينتفع بجلدها ولا يبيعه ولا شيئا منها]: وله أن ينتفع بجلدها أن يأخذ هذا الجلد ويدبغه، ثم يجعله بساطا، أو مثلا يأخذ الجلد وينتفع بشعره ويغزل، أو بالوبر الذي على جلد الناقة وينتفع به يغزل خباءا أو يغزل كساء، فجعل الله عز وجل في جلود الأنعام منافع عظيمة، وجعلها دِفئا في الشتاء، وسِترا في القيظ، ولو أن الإنسان رجع إلى طبائع الناس حينما كانوا يعيشون على هذه الأشياء لوجد العجب العجاب من حكمة الله عز وجل وتعليمه لعباده، وإلهامه سبحانه لهم ما فيه مصالح دينهم ودنياهم وآخرتهم. فالجلود ينتفع بها، فلو أخذ الجلد ودبغه سقاء فجعله شنا وقربة يستقي بها أو يضع فيها العسل أو السمن أو غير ذلك فلا بأس ولا حرج، وهكذا لو أنه أخذ الشعر فغزله وانتفع به لنفسه لكن لو أنه جعله فراشا وغطاء في البيت ثم جاء شخص وقال له: بعني
¥