تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول له: {فلا تقل لهما أف} فيدخل على أمه فيراها على حال لا يرضيه فيقول: أف، فيغضب الله عليه بهذه الكلمة؛ لأنه نهاه ربه فلم ينته، وحرم عليه فلم يحرم، وعندها يتأذن الله بعقوبته، ولربما يعق أباه، ولربما يقطع الرحم فيؤذيهم ويظلمهم، ولربما يكون مع الصالحين والأخيار فيؤذيهم ويظلمهم، أو يؤذي جاره، فمظالم الناس من أعظم الأسباب التي - والعياذ بالله - تنقص الإنسان من حال الخير، وتكون سببا في وقوعه في المعاصي. أيضا من أسباب الرحمة: بر الوالدين، وصلة الرحم، والإحسان إلى الناس من أسباب رحمة الله بالعبد، وكم من مذنب خطاء كثير الذنوب والعيوب سترها الله عز وجل بستره، وتولاه برحمته، وشمله ببره وغفر له ما كان من زلله وخطئه بفضله سبحانه وتعالى ثم بإحسان العبد فيما بينه وبين الناس.

((مر رجل على غصن شوك فرآه في الطريق فقال والله لأنحينه عن طريق المسلمين لا يؤذيهم فزحزحه عن الطريق فغفر الله له ذنوبه)) لأنه نوى للمسلمين الخير، ولذلك انظر كيف غصن شوك قال بعض العلماء: ليس الأمر في غصن الشوك، ولكن الأمر بدأ من قوله: ((لأنحينه عن طريق المسلمين)) رجل قلبه متفطر رحمة بالمسلمين ولا يريد الشر لهم ولا يريد الضر بهم، ويريد أن يرحمهم فرحمه الله عز وجل، فإذا نوى أن يحسن لهذه الأمة كلها وأن يزيل هذا الغصن عن طريقهم فزحزحه عن الطريق فغفر الله له ذنوبه.

وفي بعض الروايات: ((فزحزحه الله به عن نار جهنم)) فالعبد إذا ستر الناس ستره الله، وإذا أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، فالأخذ بأسباب الرحمة. من أسباب الثبات على التوبة؛ ولذلك تجد بعض الأخيار والصالحين إذا استقام في طاعته لربه فإن الله يثبته؛ لأنه بمجرد أن يستقيم يبحث كيف يرضي الله سبحانه وتعالى، ويستقيم بصدق وحق.

الأمر الثالث - كذلك وهو من أسباب الرجوع إلى الذنوب-: احتقار الطاعة، فالبعض - والعياذ بالله- إذا أطاع ربه حنّ إلى جاهليته، وأصبح يظن أنه في هدايته قد ضيق على نفسه، فلربما جاءه إبليس بالشهوة والنزوة فحن إليها، وكأنه في حال نقص، ولكن ولي الله المؤمن الصالح. يقول: يا رب عوضتني خيراً، وإذا جاءه عدو الله يذكره بالشهوات والملهيات استعاذ بالله عز وجل ورجع إلى ربه، وقال: اللهم إني أعوذ بك من النقص بعد الزيادة، ومن الحور بعد الكور، ومن الضلال بعد الهدى ومن العمى بعد البصيرة، رب تداركني برحمتك، فيصدق مع الله أنه يريد الهداية؛ لأنه يحس أنه عثر على ما كان يبحث عنه، وأنه قد وجد الضال التي طال ما تمناها، وأنه وجد الراحة النفسية والطمأنينة وانشراح الصدر وثبات القلب، وأنه ليس هناك أحد أسعد من حاله مادام أنه مُرض لربه سبحانه وتعالى المهتدي لا يشعر بالنقص، والشيطان يأتي من الشعور بالنقص، فإذا أحس أن هناك شهوة ومتعة ولذة ناقصة، وأن نفسه إلى الآن تحن إليها، أو شعر أن الهداية منعته من هذه الأشياء رجع إلى ما كان إليه؛ ولذلك إذا أراد الله بعبده خيرا فتح في وجهه أبواب الرحمة، وشغله بطاعته عن معصيته، وبمحبته عن ما يسخطه - جعلنا الله وإياكم -كذلك.

فعليك أن تأخذ بهذه الأسباب، ومن أعظم الأسباب التي تحول بينك وبين الذنب الرجوع إليه: الدعاء. فقل: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.

ومن أعظم الأسباب التي تثبت الإنسان على الطاعة بترك المعاصي والثبات على الخير والزيادة من الخير: كثرة ذكر الله عز وجل، فمن ذكر الله ذكره الله عز وجل، فهو في حرز وحصن حصين من الشيطان الرجيم، فأهل الهداية والاستقامة الذاكرون لله كثيرا والذاكرات المطمئنون بتلاوة القرآن وبالتسبيح والتحميد والاستغفار قل أن تجد إنسانا لسانه رطب بذكر الله يقع في معصية، وليس معنى ذلك أنه معصوم، لكن الله يحفظه من كثير من الشرور والمعاصي {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}، فهذا بالتوكيد {إن عبادي} من هم عباد الرحمن الذين يذكرون الله، فيتلون القرآن ويسمعون القرآن ويحضرون مجالس الذكر وينتفعون بالذكر، الخاشعون المخبتون المنيبون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير