تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا عمر رضي الله عنه خاف على أُبيِّ رضي الله عنه من كثرة الأتباع والتلاميذ الذين يطأون عقبه، فغيرهم أولى بالخوف وسد الذريعة. وليس حال القاريء المتقدم صفته كالطبيب الذي يزدحم الناس على بابه، فإن الطبيب يعالج بعلاج معروف، ولا يشعر أن العلاج لا ينفع إلا إذا وصفه هو، بل يعتقد أن الأمر مرتبط بالعلاج لا بالطبيب؛ بخلاف الراقي فإنه قد يظن أن الأمر مرتبط به هو لا بالعلاج، لأن القرآن موجود عند المسلمين جميعاً، ويستطيعون قراءته، ومع هذا يحرصون على أن يقرأ هو، فقد يدخله العُجب والزهو، ويظن بنفسه الظنون، ولاشك أن الابتعاد عن مثل هذا أولى. والله أعلم بالصواب.

* خامساً: أنه من الملاحَظ على القراء أصحاب الكيفية المتقدمة أنهم قد يقولون بغير علم، وذلك أنهم إذا قرأوا على المريض ولم يتكلم الجني على لسانه، قالوا: ليس فيك جني، وأنت بك عين، أو ليس بك جني ولا عين ونحو هذا، ولسان حالهم يقول: إننا لا نقرأ على مصروع إلا ويلزم أن تخاطبنا الجن وتتكلم فَرَقَاً منا أو من قراءتنا، وليس على هذا أثارة من علم، فإن المصروع إذا قُريء عليه وخُوِّف الجن الذي بداخله فقد يتكلم الجني ويخاف وقد لا يتكلم ولا يخاف!، فمن أين لهم القطع بأنه ليس في المقروء عليه جني أو عين ? وقد يترتب على هذا أن المريض يترك الأدعية النبوية في مثل هذه الحالات، بناء على قول القاريء، والله - عز وجل - يقول:) وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ((11).

* سادساً: من الملاحظ على القراء أصحاب الكيفية المتقدمة، أنهم يجمعون الفئام من الناس فيقرأون عليهم جميعاً قراءة واحدة حرصاً على كسب الوقت أمام كثرة الزائرين، ثم يدورون على أوعيتهم يتفلون فيها واللعاب والرذاذ الذي خالط القراءة قد ينقضي في الوعاء الأول والثاني، فمن أين لهذا القاريء أن لعابه كله مبارك حتى ولو لم يخالط قراءة واحدة ?، وأين الدليل على أن هذه الصورة من عمل السلف الصالح ?.

* سابعاً: نظراً لما تُدرّه تلك الكيفية السابقة على أصحابها من أموال طائلة، فقد يقوم بعض المشعوذين والدجالين فيتظاهرون بالقراءة، فيفتحون دكاكين لهذا الغرض، ويخلطون الحق بالباطل، فيفتح على الناس باب شر كبير، ولا يحصل إنكار على المشعوذين لاختلاط أمرهم بالقراء الذين لا يخلطون مع قراءتهم شعوذة وكهانة فيصعب التمييز، والذرائع المُفضية إلى الشر يجب سدها، حتى وإن كان قصد صاحبها الحق، وقد منع عبد الله بن مسعود وأصحابه وجمع من العلماء المحققين تعليق القرآن - مع أنه كلام الله – سداً للذريعة، لئلا يفضي ذلك إلى تعلق التمائم (12)، وأفتى بهذا التعليل أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة في الفتوى رقم 992 و تاريخ 4/ 4/1395 هـ (13).

* ثامناً: إن بعض القراء أصحاب الكيفية المتقدمة الذين يتفرغون للقراءة على الناس، ويتخذونها حرفة لهم، يظنون أن ذلك من المستحبات، والاستحباب حكم شرعي، وهو عبادة، وهذا قد يجرهم إلى الوقوع في البدعة فإن مَن استحب شيئاً لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولم يفعله خلفاؤه الراشدون - مع وجود المقتضي له في عصرهم - قد أتى بابا ًمن البدع، والرسول - صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم وإن قرأوا على المرضى وأخذوا الأجرة على ذلك كما تقدم إلا أنهم لم يتفرغوا لهذا الأمر، ولم يشتهروا به شهرة واضحة بين الناس، بحيث إذا ذُكر أحدهم ذُكر بأنه هو القاريء على المصروعين لاقتصاره على هذا العمل، ولم يتخذوه حرفة ومهنة لاكتساب الرزق يقتصرون عليها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير