تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* تاسعأ: لقد اشتهر بعض الصحابة بإجابة الدعاء كسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن الذين دعا لهم رسول الله باستجابة الدعاء (14)، وبعض التابعين كأويس القرني رضي الله عنه ومع هذا لم يؤْثَر أن المسلمين تزاحموا على أبوابهم أفواجاً إثر أفواج لطلب الدعاء مع حاجة المسلمين إلى إجابة دعائهم في صلاح دينهم ودنياهم، مع أنه لا مانع شرعاً من أن يأتي الفرد من المسلمين ويطلب من أحدهم الدعاء، وقد فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك مع أويس القرني، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- أرشده إلى ذلك، ومع هذا لاشك أن عمر بن الخطاب لو رأى أن أهل المدينة اجتمعوا على أويس لطلب الدعاء، وقدم أهل مكة وأهل العراق لأجل هذا الغرض لَمَنَعهم مع فِعله هو له، وذلك خشية على الناس من الفتنة، وخشية على أويس القرني من الفتنة أيضاً، ومن فقه أويس القرني رضي الله عنه أنه حاول إخفاء نفسه، ولم يُعرِّض نفسه ولا غيره للفتنة، فعن أُسَيْر بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمداد (15) أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر ? حتى أتى على أويس. فقال: أنت أويس بن عامر ? قال: نعم!، قال: من مراد ثم من قَرَن ? قال: نعم!، قال فكان بك بَرَص فبرئتَ منه إلا موضع درهم ? قال: نعم! قال: لك والدة? قال: نعم!، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: “ يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبريء منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسَمَ على الله لأبَرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل “ ... فاستغفِر لي! فاستغفَرَ له. فقال له عمر: أين تريد?، قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها ?، قال: أكون في غبراء الناس (16) أحب إليَّ. قال: فلما كان من العام المقبل حجَّ رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس قال: تركته رَثَّ البيت قليل المتاع!، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: “ يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قَرَن، كان به بَرَص فبريء منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرٌّ لو أقسم على الله لأبَرَّه، فإن استطعت أن يستعفر لك فافعل “ فأتى أويساً فقال: استغفر لي! قال (17): أنت أحدثُ عهداً بسفرصالح فاستغفِر لي، قال: أنتَ أحدثُ عهداً بسفرصالح فاستغفِر لي!!. قال (18): لقيتَ عُمَرَ? قال: نعم! فاسْتَغفَرَ له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه. قال أُسَيْر: و كَسَوْتُهُ بُردة، فكان كلما رآه إنسان يقول: من أين لأويس هذه البُردة ?! (19).

وفي نظري أن الرقية كالدعاء، بل هي دعاء .. ، ومثل ذلك لو تقاطر أهل بلد على رجل يظهر من حاله الصلاح بأولادهم لأجل تحنيكهم بتمرة ونحو ذلك، فإنه لا ينبغي، خشية عليه وعليهم من الافتتان. يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في مثل هذه الصورة وغيرها من صور التبرُّك: ومنها أن فعل هذا مع غيره - صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن أن يفتنه وتعجبه نفسه فيورثه العجب والكبر والرياء، فيكون هذا كالمدح في الوجه بل أعظم (20).

قلت: فما الظن بالذي يقدم عليه الآلاف من الناس لأجل القراءة عليهم، ويتركون القضاة والمفتين وأهل العلم ألا يخشى عليه الفتنة ?!.

* عاشراً: إذا تبين أن هذا الأمر فيه مفسدة على الناس وخاصة العوام منهم الذين يتعلقون بالقاريء أكثر من تعلقهم بالله وبكلامه!!، حتى يظنوا ارتباط الشفاء بالشخص نظراً لما يرونه من شدة الزحام عليه، الأمر الذي لا يرونه عند كثير من العلماء الصلحاء، وفيه مفسدة على القاريء نفسه من جهة الشهرة والعجب، وابتداع كيفية في الرقية لم تكن معروفة عند السلف الصالح، كالقراءة على مئات من الناس جميعاً بقراءة واحدة، والنفث في أوعيتهم جميعاً بعد هذه القراءة فلاشك أن درء المفسده مقدم على جلب المصلحة، خاصة إذا عظمت المفسدة على المصلحة، كما قال تعالى:) وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ((21)، فسب المشركين لله - عز وجل - مفسدة عظيمة، وسب المؤمنين لآلهة المشركين مصلحة عظيمة، وهنا قدّم درء المفسدة على جلب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير