تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثاني: ومن أهل العلم من قال: المجنون لا يصح منه الحج البتة، لا يحرم بنفسه ولا يحرم عنه وليه، وذلك أنهم يرون أن الصبي يستثنى بالنص وبقي المجنون على الأصل لقوله-عليه الصلاة والسلام-: ((رفع القلم عن ثلاث وذكر منهم المجنون حتى يفيق))

والمجنون له حالتان:

الحالة الأولى: إن كان جنونه مطبقاً فإنه لا يجب عليه الحج ولا تجب عليه العمرة، ولا تجب عليه الشرائع، قد رفع عنه القلم وسقط عنه التكليف.

والحالة الثانية: إما أن يكون جنونه متقطعاً، وهو الذي يجن تارة ويفيق أخرى، فإذا أفاق فإنه إذا حج في حال الإفاقة إذا كان قادراً مستطيعاً في حال إفاقته فإنه يجب عليه الحج ويصح منه الحج.

وأما بالنسبة لشرط البلوغ فهو أن يبلغ الصبي طور الحلم وقد بينا ذلك في كتاب الصلاة وبينا تعريف البلوغ وضابط البلوغ، والمراد بذلك أننا لا نوجب الحج على الصبي؛ ولكن لو حج الصبي وأحرم عنه وليه صح حجه؛ ولكن لا يجزيه عن حجة الإسلام وفريضته كما في حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- ويلزمه أن يعيد الحج بعد بلوغه؛ لأن النافلة لا تجزئ عن الفريضة فإذا حج في حال صباه، فإنها نافلة والرقيق إذا حج حال رقه فإنها نافلة، لأن الله لم يوجب عليه الحج، فإذا عتق العبد وبلغ الصبي لزمهما أن يعيدا حجهما وعمرتهما.

[القادر]: القادر وهذا هو الذي نص القرآن عليه بشرط الإستطاعة فقال-سبحانه-: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} أي من أستطاع إلى بيت الله سبيلاً وهذه الاستطاعة تشمل الزاد والراحلة فلا يجب الحج على من ليس عنده زاد أو ليست عنده راحلة تبلغه البيت، إن كان على مسافة القصر من مكة أما من كان من أهل مكة، فإنما يشترط وجود الزاد أما الراحلة فلا تشترط؛ لأنه كان في داخل مكة، ويمكنه أن يخرج إلى المناسك ويمشي على رجليه، فشرط الزاد والراحلة لمن كان أفاقياً خارجاً عن مكة بمسافة القصر وفي حكم أهل مكة من كان دون مسافة القصر، فهؤلاء إنما يجب عليهم الحج إذا وجدوا الزاد، والمراد بالزاد طعامهم ومؤونتهم التي تكفيهم لحجهم بشرط أن تكون فاضلة عن قوتهم وقوت من تلزمهم نفقتهم كما سيأتي.

يدخل في شرط القدرة عبر المصنف-رحمه الله- بالقدرة، وهذه القدرة تشمل الزاد والراحلة وقد جاءت في ذلك أحاديث موصولة ومرسلة وموقوفة وقال شيخ الإسلام: إنها أحاديث حسان وينضم بعضها إلى بعض ويقوي بعضها بعضاً، تدل على أن شرط الاستطاعة قائم على الزاد والراحلة، وبناءً على ذلك فإن الزاد تعتبر به نفقة الذهاب ونفقة الرجوع، فيقدركم يحتاج للسفر إلى مكة، ذهاباً وإياباً إلى بلده.

ومن أهل العلم من قال: العبرة بالذهاب.

وأما الإياب فلا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: إما أن يكون رجوعه إلى بلده لازماً، لوجود من يقوم عليه من أولاده وأهله، فيكون شرط الرجوع لازماً، أي أنه يكون قادراً على نفقة الذهاب والإياب، وإما أن يكون لا أهل له ويمكنه أن يبقى بمكة فالرجوع وزاد الرجوع ليس بلازم.

وفائدة الخلاف: لو كان الرجل يسافر من المدينة إلى مكة فيحتاج إلى زاد بمبلغ خمس مائة ريال في الذهب، وخمس مائة ريال للرجوع فبلغ ماله خمس مائة وليس عنده ألف فحينئذٍ إن كان له أهل ورجوعه إلى المدينة متعين لم يجب عليه الحج، وإن كان لا أهل له ويمكنه البقاء بمكة فيلزمه الحج ويعتبر مخاطباً بفريضة الحج، هذا بالنسبة على القول بأنه تقدر نفقة الإياب كما تقدر نفقة الذهاب، {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} يدخل في ذلك أمن الطريق، فإذا كان الطريق مخوفاً لوجود السباع والعوادي أو كان سفره إلى مكه يتوقف على ركوب البحر والسفن، وكان الزمان ضيقاً بحيث بينه وبين الحج ثلاثة أيام أو أربعة أيام، وهاج البحر فيها وغلب على ظنه أنه لو ركبه يهلك، لم يجب عليه الحج؛ لأن الله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} فالله لا يخاطب بما فيه خواطر بالأنفس، إلا ما شرع من الجهاد، وأما ما عدا ذلك من الفرائض فإنها لا تكون لازمة على وجه يؤدي إلى فوات الأنفس، وبناءً على ذلك فإنه إذا خاف من الطريق لوجود السباع العادية، أو وجود ضرر كركوب البحر، أو نحو ذلك من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير