المسائل فإنه لا يلزمه الحج.
أما إذا أمن الطريق فحينئذٍ لا إشكال، وفصل العلماء إذا كان الطريق مخوفاً بين أن يجد بديلاً أو لا يجد، فإن وجد بديلاً كأن يكون الطريق فيه سباع عادية أو طريق هو أشق وأكثر كلفة ولكنه أمن ويمكنه أن يسلكه فإنه يلزمه أن ينصرف ويجب عليه الحج، وهذا بالنسبة لشرط القدرة، أما المكي فالأمر فيه خفيف بالنسبة للحج وبالنسبة للعمرة؛ والسبب في ذلك أنه لا يفتقر إلى سفر، ومن هنا قالوا فقط ينظر إلى زاده في الحج، بحيث لو خرج إلى الحج وأمكنه أن يحج فإنه يجب عليه أن يحج إذا كانت عنده نفقة مثله.
[في عمرة مرة على الفور]: يجب على المسلم الحر المكلف القادر أن يحج ويعتمر مرة في العمر، فهذه الفريضة تجب على الإنسان مرة في عمره؛ وذلك لأن النبي-?- لما وقف للناس في حجة الوداع وسئل أفي كل عام؟ فقال: ((أيها الناس إن الله كبت عليكم الحج فحجوا))، فقيل: - يا رسول الله -: أفي كل عام، فسكت -عليه الصلاة والسلام- وقال: ((لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم، ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم وإختلافهم على أنبيائهم ... إلخ الحديث)) وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه لم يقل نعم والصحابي سأل: أفي كل عام فلم يجب بنعم قال: ((لو قلت نعم لوجبت))، أي لوجب عليكم الحج فريضة في كل عام ولكنه لم يقل ذلك فدل على أن الحج؛ إنما يجب مرة في العمر وهذا بإجماع المسلمين.
[على الفور]: على الفور فلا يتراخى ولا يتأخر على أصح قولي العلماء-رحمة الله عليهم-.
[فإن زال الرق والجنون والصبا في الحج بعرفة وفي العمرة قبل طوافها صح فرضاً]: [فإن زال الرق]: لو خرج الرقيق من المدينة إلى مكة وهو في حج فإننا ننظر إن وقع عتقه قبل الوقوف بعرفة فللعلماء فيه خلاف، أصح الأقوال أنه يجزيه عن حجة الإسلام ولا يجب عليه أن يرجع إلى الميقات.
وقال فقهاء الحنفية: إنه يرجع إلى الميقات لأنه وجب عليه الحج من ميقاته، فيرجع لكي يحرم من ميقاته فإن لم يرجع لا يجزيه فقيل لهم لماذا قالوا: لأن نيته الأولى وقعت نافلة، لأنه لم يكن الحج واجباً عليه، فلما وقعت نافلة فلا ينقلب النفل إلى الفريضة.
وقال بعض العلماء: يجب عليه أن يرجع إلى الميقات حتى يسقط عنه الدم، فإن حج من مكانه ومضى فإنه يصح حجه ولكن يجب عليه دم، فهذه ثلاثة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: منهم من يقول: يمضي ما دام أنه قد عتق قبل الوقوف بعرفة أو أثناء وقوفه بعرفة قبل أن يدفع فحجه صحيح ويجزيه عن حجة الإسلام.
القول الثاني: ومنهم من قال يلزمه الرجوع إلى الميقات حتى يحرم بنية الفريضة بدل نيته الأولى نافلة.
القول الثالث: ومنهم من قال: إنه يلزمه الرجوع إلى الميقات لسقوط الدم؛ لأنه سيحرم بالحج وينقلب إلى حجة الفرض من موضع دون الميقات.
والصحيح أنه يجزيه في حجه أن يمضي. لما ثبت في حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي-?- سمع رجل وهو يطوف بالبيت ويقول: لبيك عن شبرمة، لبيك عن شبرمة فقال-عليه الصلاة والسلام-: ((ومن شبرمة)) قال: أخي أو ابن عم لي، مات ولم يحج، قال: ((أحججت عن نفسك))، قال: لا، قال: ((حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) فهذا الحج الذي وقع من هذا الرجل وقع عن شبرمة، وكان في الميقات قد نوى عن شبرمة فلو كان يلمه الرجوع إلى الميقات لقال له: ارجع إلى الميقات، وأنوي عن نفسك لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فاغتفر الشرع ذلك وصار من سماحة الشرع ويسره، وإلا الأصول تقوي أن يرجع، فلما استثنى النبي-?- هذا دل على أن من طرأ له الحكم وانقلبت نيته أن ذلك لا يؤثر وقد قال علي-?-: " أهللت بما أهل به رسول الله-?- " وقد قدم من اليمن، ولم يقل له إرجع إلى يلملم وجدد النية بما نويت به، فهذا كله يقول العلماء: أنه يدل على أنه لا يلزم الرجوع إلى الميقات وأنه إذا عتق الرقيق وبلغ الصبي قبل الوقوف بعرفة يجزيه أن يمضي في حجه.
¥