تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحديث عبدالله بن عباس: " وقت رسول الله- r- لأهل المدينة ذا الحليفة " والحليفة واحدة الحلفاء، وهو نوع من الشجر؛ والسبب في ذلك أن هذا الوادي وهو ذو الحليفة كانت فيه شجرة أي في وسطه، وقيل: لأنه كان يكثر فيه هذا النوع من الشجر، وهو الوادي الذي يسمى في المدينة بوادي العقيق، ويسمى في عرف العامة اليوم وادي عروة؛ لأن عروة بن الزبير-رحمه الله- كانت له مزارع في هذا الوادي، وهذا الوادي ثبت في الصحيح من حديث عمر، أن النبي- r- وصف هذا الوادي بكونه مباركاً، قال-عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح: ((أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: أهل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة))، فأهلّ رسول الله- r- منه، فاجتمعت السُّنة القولية والسُّنة الفعلية على اعتبار ميقات المدينة وهو ذو الحليفة.

وهذا الميقات هو أبعد المواقيت عن مكة، ولذلك يبعد فوق عشر مراحل، فبينه وبين مكة ما لا يقل عن عشرة أيام بسير الإبل في الأزمنة الماضية، ويقع هذا الوادي أو المهل الذي أهل منه رسول الله بحذاء جبل عَيْر، فيحد هذا الوادي من الجهة الشرقية إلى الجهة الجنوبية جبل عير وهو آخر حدود المدينة، كما قال: ((ما بين عير إلى ثور))، فهذا الجبل المعترض وهو جبل عير يكون طرفه مشرفاً على وادي العقيق، وعلى المهل مهل رسول الله الذي يسميه الناس اليوم بأبيار علي.

وهذا الميقات أجمع العلماء-رحمهم الله- على أنه ميقات أهل المدينة، ومن مر من غير أهل المدينة بالمدينة وفي نيته أن يحج، أو في نيته أن يعتمر، أو في نيته أن يجمع بين الحج والعمرة فيقرنهما معاً أنه يجب عليه أن يهل من المدينة، إلا الشامي فله فيه تفصيل ربما ستأتي الإشارة إليه، فأهل الشام خلاصة ما يقال فيهم أنهم إذا مروا بالمدينة، ونزلوا بها كما هو موجود اليوم في الحملات التي تأتي من جهة الشام أنهم يدخلون المدينة، ويصلون بمسجدها؛ فحينئذٍ يتعين عليهم أن يحرموا من المدينة؛ لأن النبي- r- قال: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))، فنص على أن من أتى على هذه المواقيت من غير أهلها أنه يلزمه الإحرام منها.

فأهل الشام إذا نزلوا المدينة مروا بالمدينة ونزلوا بها ولو ساعة؛ فإنه يلزمهم أن يحرموا من ميقاتها، وهلّ إذا مروا بحذاء المدينة، ولكنهم لم ينزلوا بها وأخذوا طريق الساحل الذي يعرف بطريق جدة القديم الآن، لو أخذوا طريق الساحل ولكنهم لم ينزلوا بالمدينة، كأن يأخذوا من أطراف المدينة أو من الشوارع التي بأطراف المدينة لكن لا يدخلون المدينة، فحينئذٍ ميقاتهم رابغ؛ والسبب في ذلك أنهم لم يأتوا على الميقات حقيقة، فهم مارون بالمدينة وليسوا بنازلين بها حتى يأخذوا حكم أهلها، ولأنهم سيمرون بميقات ثانٍ على طريق هو ميقات لهذا الطريق وهو الذي يسمى بطريق الساحل، فطريق الساحل إذا سُلِك من أهل الشام أو من أهل مصر أومن أهل المغرب فإنهم حينئذٍ يحرمون من رابغ، لكنهم إذا نزلوا بالمدينة ولو ساعة ولو لحظة ودخلوا المدينة فقد وجب عليهم ميقات المدينة أن يهلوا منه ولو كانوا مارين بطريق الساحل.

قال عليه الصلاة والسلام: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة)) هذا الإهلال يأتي على صورتين:

الصورة الأولى: أكمل الصور وأفضلها لما اشتملت عليه من التأسي برسول الله- r- والاقتداء به، وهي أن تنزل في الوادي، وتصنع ما صنع رسول الله- r- من الاغتسال، ثم بعد ذلك تصلي الفريضة وتهل بعد الفريضة، لأن رسول الله- r- بات، ثم بعد ذلك أحرم من الميقات، اغتسل وأصبح ينضخ طيباً-بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه-، ثم أهل بعد الفريضة.

وعلى هذا فالأكمل أن الإنسان يغتسل في الوادي، ثم بعد ذلك يصلي الفريضة وينشىء عمرته، أو ينشىء حجه، كذلك - أيضاً - إذا لم يتيسر له الفرض واغتسل وصلى ركعتي الوضوء يهل بعدها، وليست للإحرام ركعتان مقصودتان وهما اللتان تسميان سنة الإحرام ليس له ركعتان مقصودتان؛ إنما هو يقع بعد الفريضة أو النافلة حتى ولو كانت نافلة مطلقة؛ لأن النبي- r- قال في حديث عمر في الصحيح: ((أهلّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة)) وفي رواية: ((صلِّ في هذا الوادي المبارك)) فاستحبوا أن يقع الإحرام عقب صلاة، ولا تشترط صلاة مقصودة، هذا الأكمل والأفضل، ويكون الإهلال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير