قال العلماء: سمي الكتاب كتاباً لاجتماع حروفه، وإنضمام كلماته بعضها إلى بعض.
قوله: [الطَّهارة]: الطهارة في لغة العرب: النّظافة، والنّقاء من الدَّنس يقال: طَهَُرَ الشيء بفتح الهاء، وضمِّها، يَطْهُر بالضم، طَهَارةً؛ إذا كان نقياً من الدنس نظيفاً.
وأما في اصطلاح العلماء رحمهم الله: فهناك عدة تعاريف منها ما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: (ارتفاعُ الحدثِ، وما في معناهُ، وزوالُ الخَبثِ) وسيأتي بيان المراد بهذا التعريف في موضعه.
وعرّفها بعضهم بقوله: [صفةٌ حكميةٌ تُوجِبُ لموصوفها جوازَ استباحةِ الصّلاةِ به، أو فيه، أو له].
فقولهم: [صفةٌ حكميةٌ]: يدل على أن الطهارة من الأوصاف المعنوية، وهي الأوصاف غير المحسوسة، فإنها ليست كالطول، والقصر أوصافاً محسوسة مشاهدة في الموصوف، فأنت إذا قلت فلان متطهر فإن وصفك له بالطهارة ليس بشيء محسوس نراه عليه، بل هو متعلق بالمعاني كالعلم، والشجاعة، ونحوها من الأوصاف الحكمية المعنوية.
وقولهم: [تُوجِبُ] بمعنى: تُثبت.
وقولهم: [لموصوفها] أي: للشخص الذي يُوصف بها.
وقولهم: [جواز استباحة الصلاة] أي: الحكم بحلِّ الصلاة، وعليه فإنها تفيد الحلّ لا الوجوب، ولا غيره فمن تطهر حلّ له أن يصلي، ولم يلزمه ذلك، وثبوت هذا الوصف في حقه لا يستلزم منه فعل الصلاة، ومن هنا عبّر بالجواز المقتضي لمطلق الإباحة، والإذن بالشيء، دون لزومه على من إتصف به، ومثل الصلاة الطواف بالبيت، ونحوه مما تُشْترط له الطهارة؛ كلمس المصحف.
وقولهم: [به، أو فيه، أو له] إشارة إلى ثلاثة أمور لا بد من توفرها للحكم بصحة الصلاة، وهي طهارة: البدن، والثوب، والمكان.
فالمصلي لا بد له من تحصيل الطهارة في هذه الثلاثة الأمور في بدنه، وهو المُعبَّر عنه بقولهم: [له] وفي مكانه، وهو المُعبَّر عنه بقولهم: [فيه]، وفي ثوبه وهو المُعبَّر عنه بقولهم: [به] وبهذا جمع التعريف بين نوعي الطهارة، وهما: طهارة الحدث، والخبث، وقد أشار إلى طهارة الحدث بقوله: [جواز استباحة الصلاة] لأن هذا الجواز لا يكون إلا بعد تحصيل الطهارة من الحدث، وأما طهارة الخبث فقد أشار إليها بقوله: [به، أو فيه، أو له] فجمع أنواع طهارة الخبث في المواضع الثلاثة: وهي الثوب، والبدن، والمكان.
وهذا التعريف لا يعارض التعريف الذي ذكره المصنف رحمه الله كما سيأتي، بل معناهما واحد، وإن كانت ألفاظهما مختلفة، كما سيتضح عند شرحه، وبيانه بإذن الله تعالى.
وبعد ذكر معنى الطهارة في اللغة، والإصطلاح فإنه يرد السؤال: لماذا بدأ المصنف رحمه الله كتابه الفقهي بالطهارة؟
والجواب: أن الفقه منه ما هو متعلق بالعبادات: كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج؛ ومنه ما هو متعلق بمعاملة الناس بعضهم مع بعض: كالبيع، والنكاح، والجناية.
فأجمع العلماء على تقديم العبادة على المعاملة فيقدمون أبواب الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج على سائر أبواب المعاملات؛ والسبب في ذلك: أن العبادة هي الأصل، ولذلك قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: [ليكُنْ أولَ ما تدعُوهمْ إِليه شَهادةُ أنّ لا إله إلا اللهُ، فإِنْ همْ أَطاعُوك لذلك؛ فأَعلمْهم أنَّ الله افترضَ عليهم خمسَ صلوات في كلِّ يومٍ، وليلةٍ] فقدَّم الصلاة، وجعلها بعد الشهادتين، ولذلك درج العلماء من المحدثين، والفقهاء على استفتاح كتب الحديث، والفقه بكتاب الصلاة من هذا الوجه، وقدّم الطهارة على الصلاة؛ لأنها مقدمة عليها، وتسبقها كما أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} فأمر كل من قام إلى الصلاة أن يتطهر قبل فعل الصلاة، وبناءً على ذلك قُدّم الكلام على الطهارة على الكلام عن الصلاة، وبعبارة علمية كما يقول العلماء: الطهارة وسيلة، والصلاة مقصد، والقاعدة: أن " الكلامَ على الوسائلِ مقدّمٌ على الكلامِ على المقاصدِ ".
فتقرر بهذا أن يُبدأ ببيان أحكام الطهارة، ثم يُثنَّى بعد ذلك ببيان أحكام الصلاة.
وبيان أحكام الطهارة يستلزم بيان ما يتطهر به، والصِّفة التي تحصل بها الطهارة.
¥