والمقصود وجود الأمن على المرأة في ذلك كما سبق، ويكفي ظن وقوعه بلا شَرْط العلم، كسفر المرأة للحج الواجب مع جَمْعٍ من النساء في (حملة حجٍ) رسميَّة؛ لأنها رفقة مأمونة عادةقال ابن الملقن رحمه الله في: "الإعلام" (6/ 82): "والذين لم يشترطوه ـ أي: المحرم ـ قالوا: المشترط الأمن على نفسها مع رفقة مأمونين رجالاً أو نساء" أ. هـ. المراد. وكذا أمن الطريق، وهو ظاهر، وأشار الحافظ في: "الفتح" (4/ 91) إليه بقوله: "جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أمن الطريق" أ. هـ.
فائدة:ـ
حديث: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها حُرْمة" ـ أي: ذو مَحْرَميَّة ـ " وقد خَرَّجه البخاري (رقم:1088) ومسلم (رقم: 1339). وفي لفظ: "لا تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم" ـ أي: فيَحِلّ ـ: قد أُجيب عنه بأجوبة، منها قول أبي العباس القرطبي في: "المُفْهِم" (3/ 450):
"إن المنع في هذه الأحاديث إنما خرج لما يُؤدِّي إليه من الخلوة، وانكشاف عوراتهن غالباً. فإذا أُمِن ذلك، بحيث يكون في الرفقة نساء تنحاش إليهن، جاز. كما قاله الشافعي ومالك"أ. هـ.
وَصْلٌ: الظاهر إلحاق الأسفار الواجبة بالحج، وهو المشهور. قال ابن بطال في: "شرح صحيح البخاري" (4/ 533): "ألا ترى أن عليها أن تهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام إذا أسلمت فيه ـ بغير محرم، وكذلك كل واجب عليها أن تخرج فيه" أ. هـ المراد.
وثالث الحالات: أن تسافر المرأة§ سفراً غير واجب، كعمرة مستحبة أو زيارة لذوي رحم. فهذه الحال السفر فيها يأتي على ضربين:
ـ أولهما: أن يكون السفر قصيراً، فمذهب الحنفية جوازه من غير اشتراط محرم ـ كما في: "بدائع الصنائع" (2/ 124)، و"حاشية ابن عابدين" (2/ 464،465) ـ، خلافاً للجمهور فلا فرق بين سفر طويل وقصير عندهم، وهو مذهب المالكية ـ كما في: "إرشاد السالك" (1/ 165)، ومذهب الشافعية ـ كما في: "المجموع" (7/ 69ـ70) و"الإيضاح مع حاشية الهيتمي" (ص/102) ـ، ومذهب الحنابلة ـ كما في: "الإنصاف" (3/ 410،411) ـ والخلاف فيه مشهور.
قال العكبري رحمه الله في: "رؤوس المسائل الخلافية" (2/ 591): "يعتبر المحرم في سفر المرأة الطويل والقصير. خلافاً لأبي حنيفة في قوله: (يُعْتَبر في الطويل) ".
إلا أنه اختُلِف في تحديد السفر الطويل، فمذهب الحنفية ثلاثة أيام فصاعداً ـ كما في: "حاشية ابن عابدين" (2/ 464) ـ، وبه قال جماعة.
قال ابن الملقن في: "الإعلام" (6/ 80،81): "واشترط أبو حنيفة (المحرم) لوجوب الحج عليها، إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاثة مراحل ـ أي: أيام، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث والرأي. وحُكِي أيضاً عن الحسن البصري والنخعي والشعبي والحسن بن حُيَي … وقال سفيان: إن كانت من مكة على أقل من ثلاث ليال فلها أن تحج مع غير ذي حرم أو زوج، وإن كانت على ثلاث فصاعداً: فلا. قال ـ لعله: ابن بزيرة ـ: والذي عليه جمهور أهل العلم أن الرفقة المأمونة من المسلمين تنزل منزلة الزوج أو ذي المحرم. وذَكَر ـ لعله: ابن بزيرة ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم، وقالت: ليس كل النساء تجد محرماً! " أ. هـ.
وقال ابن عبد البر في: "التمهيد" (21/ 54): "وقال آخرون: لا يقصر المسافر الصلاة إلا في مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً، وكل سفر يكون دون ثلاثة أيام: فللمرأة أن تسافر بغير محرم. هذا قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه، وهو قول ابن مسعود" أ. هـ.
وحجة الحنفية في التفريق لخصها الحافظ في: "الفتح" (4/ 90) بقوله: "وحجتهم: أن المنع المقيد بالثلاث مُتَحَقِّق، وما عداه مشكوك فيه، فيؤخذ بالمُتَيَقَّن" أ. هـ. وهي كذلك في الصلاةقال ابن بطال في: "شرح صحيح البخاري" (3/ 79): "واحتج الكوفيون بحديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا مع ذي محرم". وقالوا: لما اختلفت الآثار والعلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة، وكان الأصل الإتمام لم يجب أن ننتقل عنه إلا بيقين، واليقين ما لا تنازع فيه، وذلك ثلاثة أيام" أ. هـ.
¥