إلا أن حجة الحنفية نَقَضها جماعةقال الحافظ في: "الفتح" (4/ 90): "ونوقض: بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر، فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها؛ فإنه مشكوك فيه، ومن قواعد الحنفية: تقديم الخبر العام على الخاص، وترك حمل المطلق على المقيد. وقد خالفوا ذلك هنا" أ. هـ.
وأما اختلاف ألفاظ الحديث فقال عنه النووي في: "شرح مسلم" (9/ 10): "قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد" أ. هـ.
تنبيه: ـقال الحافظ في: "الفتح" (2/ 660): "الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلاً في يوم تام لتعلَّق بها النهي، بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلاً في يومين لم يَقْصر، فافترقا. والله أعلم" أ. هـ. وعليه لو قيل: إن ثلاثة أيام عند القائلين بها، المقصود منها ألا تَبْقى المرأة في سفرها مدة ثلاثة أيام، لكن لو قطعت مسافة مسيرة ثلاثة أيام في يومٍ لجاز لها السفر، وعلى القول به: فيجوز السفر للمرأة إلى مشارق الأرض ومغاربها بالطائرة؛ لأن السفر فيها تُقطع فيه المسافات في أقل من ثلاثة أيام عادة!
ـ والثاني: أن يكون السفر طويلاً. فاختلف فيه على قولين:
ـ أولهما: جواز السفر مع غير محرم مع شرط الأمن ـ وسبق ـ، وهو وجه عند الشافعية وقول محكي عن مالك رحمه الله.
قال النووي في: "المجموع" (7/ 70): " (فرع) هل يجوز للمرأة أن تسافر لحج التطوع؟ أو لسفر زيارة وتجارة ونحوهما مع نسوة ثقات؟ أو امرأة ثقة؟ فيه وجهان، وحكاهما الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي وآخرون من الأصحاب في: (باب الإحصار). وحكاهما القاضي حسين والبغوي والرافعي وغيرهم. أحدهما: يجوز كالحج. والثاني: وهو الصحيح باتفاقهم، وهو المنصوص في (الأم) " أ. هـ المراد.
وقال ابن الملقن في: "الإعلام" (6/ 81): "فإن كانا ـ أي: الحج والعمرة ـ تطوعين، أو سفر زيارة أو تجارة، ونحوها من الأسفار التي ليست واجبة. فقال الجمهور: لا تجوز إلا مع زوج أو محرم. وقال بعضهم: يجوز لها الخروج مع نسوة ثقات لحجة الإسلام. وفي مذهب مالك ثلاثة أقوال عند عدم الولي" أ. هـ المراد.
ـ والثاني: عدم جواز السفر إلا بمحرم. وهو مذهب الجمهور ـ كما سبق ـ، وحكاه بعضهم اتفاقاً. قال ابن الملقن في: "الإعلام" (6/ 82): "قال القاضي عياض: واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي محرم إلا الهجرة من دار الحرب"أ. هـ. وكذا حكاه النووي في: "شرح مسلم" (9/ 148) عن عياض.
وقد اسْتَوْجَه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول الأول، حكاه عنه ابن مفلح في: "الفروع" (3/ 236) بقوله ـ وسبق ـ: "وعند شيخنا: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم. وقال: (إن هذا مُتَوَجِّه في كل سفر طاعة) كذا قال ـ رحمه الله ـ "أ. هـ.
وفي بعض ما ذُكِر سابقاً من أدلة دلالة على صحة هذا القول، ويؤكِّده أنه جاء في الخبر ـ وسبق ـ فعل عائشة رضي الله عنها له.
قال البدر العيني في: "عمدة القاري" (7/ 128): "روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها كانت تُسَافر بغير محرم، فأخذ به جماعة وجَوّزوا سفرها بغير محرم" أ. هـ المراد.
وقال الحافظ في: "الفتح" (4/ 88): "واستُدِلّ به على جواز حج المرأة بغير محرم" أ. هـ.
ودليل الجمهور حديث: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم" ونحوه.
لكن قال ابن عبد البر في:"الاستذكار" (27/ 274): "والذي جَمَعَ معاني آثار الحديث ـ على اختلاف ألفاظه ـ أن تكون المرأة تُمْنَع من كل سفر يُخْشى عليها فيه الفتنة، إلا مع ذي محرم أو زوج، قصيراً كان السفر أو طويلاً. والله أعلم" أ. هـ. وبنحوه في: "التمهيد" (21/ 55).
متممات:ـ
¥