تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الحديث الثالث] وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! أَخْبِرْنِي عَنِ اَلْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ? فَقَالَ: ((لا. وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَاَلتِّرْمِذِيُّ, وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ.

وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ.

[الشرح]

(وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! أَخْبِرْنِي عَنِ اَلْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ? فَقَالَ: ((لا. وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَاَلتِّرْمِذِيُّ, وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ.) (وَقْفُهُ) يعني من قول جابر.

قوله: (أَتَى اَلنَّبِيَّ) لماذا نصبت وهي بعد الفعل؟ لأنها مفعول مقدم، (أَعْرَابِيٌّ) فاعل، والأعرابي هو ساكن البادية، والغالب على الأعراب الجهل كما قال الله تَعَالى?: ?الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ? [التوبة:97]، لكن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر: ?وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ? [التوبة:99]، لكن الغالب عليهم لبعدهم الجهل وعدم العلم لحدود ما أنزل الله على رسوله.

وقوله: (أَخْبِرْنِي عَنِ اَلْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ?) هـ?ذا فيه شيء من الغلظة من الكلام، (أَخْبِرْنِي .. أَوَاجِبَةٌ) كان أوفق من هـ?ذا أن يقول: يا رسول الله، هل العمرة واجبة؟ كما قالت عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في الحديث الذي قبله، قالت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟

وقوله: (أَوَاجِبَةٌ هِيَ) الهمزة للاستفهام، (واجبة) مبتدأ، و (هي) فاعل سد مسد الخبر، ويجوز أن تكون (واجبة) خبر مقدما، و (هي) مبتدأ مؤخرا، ابن مالك يقول في هـ?ذه المسألة:

فَاعِلٌ أَغْنَى في أسارٍ ذَانِ

وَأَوَّلٌ مُبْتَدَأٌ وَالثَّانِي

يَجُوزُ نَحْوُ فائزٌ أولو الرَّشَدْ

وَقِسْ وَكاستفهام النَّفْيُ وَقَدْ

إنْ فِي سوَى الإفرادِ طِبْقًا استَقَرْ

والثَّانِ مبتدًا وَذَا الوصفُ خَبَرْ

المهم أن مثل هـ?ذا التركيب يجوز فيه الوجهان.

قال: ((لا)) هـ?ذا حرف جواب، واستغني بها عن إعادة السؤال، لو أعاد السؤال لقال: ليست واجبة، ولكنه قال: ((وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ)) يعني من عدم العمرة، وقوله: ((وَأَنْ تَعْتَمِرَ)) هـ?ذه مبتدأ بعد سبكها بالمصدر، ((خَيْرٌ)) يعني اعتمارك خير لك فهي نظير قوله تَعَالى?: ?وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ? [البقرة:184]،

نستفيد من هـ?ذا الحديث إن صح مرفوعا نستفيد منه عدة فوائد:

أولا أن العمرة ليست بواجبة، وحينئذ يكون بينه وبين الحديث الأول تعارض؛ لأن الأول قال: ((عليهن جهاد لا قتال فيه)) وهنا يقول: ليست بواجبة. فما الجمع بينهما؟ الجمع بينهما أن نقول: لا معارضة لأن الحديث الأول أصح من الحديث الثاني؛ إذ أنّ الحديث الأول صحيح الإسناد مرفوعا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والثاني موقوف على جابر بن عبد الله، والموقوف لا يعارض المرفوع.

قد يقال: إن هـ?ذا الأعرابي علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حاله أنها لا تجب عليه؛ لكن العمرة خير له، إلا أن هـ?ذا يعكر عليه قوله (أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟) ولم يقل: عليّ.

ومن ثمة اختلف العلماء بناء على اختلاف الحديثين:

فقال بعض العلماء: إن العمرة واجبة كالحج.

وقال آخرون: إنها لا تجب لأن الله إنما أوجب الحج فقال: ?وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً? [آل عمران:97]، وأما قوله: ?وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ? [البقرة:196]، فقد سبق أنه ليس فيها دليل على الفرضية.

وقال بعض العلماء: إنها تجب على غير المكّي، وهـ?ذا منصوص الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، إنها لا تجب على المكي إنما تجب على من كان من غير أهل مكة، ولا يرد على هـ?ذا حديث ابن عباس ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن يريد الحج أو العمرة حيث أنشأ حتى أهل مكة)) فنقول: إن أهل مكة لهم أن يعتمروا؛ لكن لا تجب عليهم العمرة.

والراجح عندي أن العمرة واجبة كالحج لحديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها، وحديث جابر لا يعارضه لأنه قد روي موقوفا وهو الراجح كما قال المؤلف؛ ولأن العمرة تسمى حجا أصغر لحديث عمرو بن حزم المشهور وفيه ((وأنّ العمرة الحج الأصغر))، فتكون داخلة في لفظ العموم ?حِجُّ الْبَيْتِ? وتكون هـ?ذه الكلمة ?حِجُّ? مشتركة بين العمرة والحج فنفى السنة.

[الحديث]

وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: ((اَلْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ.))

[الشّرح]

الفوائد من الحديث الأخير حديث جابر، يقول: (أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! أَخْبِرْنِي عَنِ اَلْعُمْرَةِ) يستفاد منه فوائد:

منها جفاء الأعراب حتى في النطق واللفظ لقوله: (أَخْبِرْنِي عَنِ اَلْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ).

ومن فوائده أن الحج قد استقر وجوبه عند الناس وعلموه، ولهذا سأل عن العمرة (أَوَاجِبَةٌ هِيَ?) دون غيرها.

ومن فوائده أنّ العمرة ليست بواجبة لقوله: ((لا)).

ومن فوائده أنها سنة لقوله: ((وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ)). ولكن هل إذا قيل في الشيء إنه خير، فمقتضاه أنه لا يجب؟ لا، قد يقال: إنه خير فيما وجب وفيما هو ركن من أركان الدين، كما قال تَعَالى?: ?تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) ? [الصف:11].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير