تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله: ((أَرَأَيْتِ)) يمر معنا كثيرا هـ?ذا النوع من التعبير، ونقول: إنه بمعنى أخبريني، لكن كيف يتفق مع تصريفه؟

إذا قال: أرأيتَ أو أرأيتِ، يستفهم هل رأى، ثم يطلب منه أن يخبره بما رأى في قوله مثلا في هـ?ذا الحديث ((أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ?))، ?قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـ?هٌ? يعني أخبروني بعد أن تروا هـ?ذا الشيء أخبروني ?مَّنْ إِلَـ?هٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ? [الأنعام:46]، لهـ?ذا يقول: العلماء (أرأيت) يعني أخبرني.

الواقع أنه ليس معناها للتحديد؛ لأن الرؤية لا تأتي بمعنى الإخبار؛ لكن إذا جاء الاستفهام بعد أرأيت فهو طلب الإخبار؛ يعني هل رأيت هـ?ذا أخبرني عنه، فيفسرونها رحمهم الله بما يلزم أو بما يطلب من هـ?ذه الرؤية.

وقوله: ((اِقْضُوا اَللَّهَ)) هـ?ذا أمر، ((فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ)) يعني إذا كان الآدمي يُوفى حقه فالله أحق بالوفاء.

إذن ه?ذا الحديث كما نرى امرأة جاءت تسأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أُمِّها أنها نذرت أن تحجّ بأن قالت: لله علي نذر أن أحج. ولكن هـ?ذه المرأة ماتت قبل أن تحج، فهل يُحج عنها أو لا؟ فبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يحج عنها، وأن ذلك دين ليها والدين يقضى إذا كان للآدمي فإنه يقضى إذا كان لله، والله أحق بالوفاء.

أما ما يتعلق بالفوائد فهو:

أولا قوله: (أَنَّ اِمْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ) هـ?ذه مجهولة؛ ولكن جهالتها لا تضر؛ لأن ذلك لا يؤثر في الحكم شيئا، فإن المرأة إذا جاءت تستفتي سواء كانت كبيرة أو صغيرة طويلة أو قصيرة ما يهم.

من فوائد الحديث أن صوت المرأة ليس بعورة؛ لأنها جاءت تسأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة يسمعون.

ومن فوائد الحديث جواز النذر، قد يقول قائل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يقر الناذرة؛ لكن لو قالت: إني نذرتُ. لقلنا: إن في الحديث دليلا جواز النذر لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينكر عليها؛ لكن هي تخبر عن فعل غيرها؛ وأيضا هـ?ذا الغير قد مات، فكيف ينهى؟ فالجواب عن ذلك أن ترتيب الحكم على هـ?ذا قد يشعر بالجواز؛ لأن هـ?ذه السائلة سوف تفهم إذا لم يقل الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لماذا نذرت، سوف تفهم أن النذر جائز.

ولكن نقول: هـ?ذا الحديث وإن دل على جواز النذر، والدلالة كما ترون ليست بالواضحة، فإن هناك أدلة صريحة في النّهي عن النذر، فقد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن النذر، وقال: ((إنه لا يأتي بخير))، ومعلوم من القواعد التي تمر علينا كثيرا أن ما كان محكما لا اشتباه فيه فهو قاض على المشتبه، فنقول هنا: إن النذر مكروه ونأخذه من دليل آخر غير هـ?ذا الحديث.

ومن فوائد الحديث أن الإنسان إن نذر الحج لزمه، وجه الدلالة تشبيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بالدين، والدين يجب على المرء قضاؤه.

ومن فوائد الحديث -وهو محل تأمل بيننا- أن من نذر الحج ومات قبل زمنه لزم قضاؤه عنه؟ أو نقول: إنه يسقط عنه لأنه ما فرط؟ أو نقول: لَمّا ألزم نفسه بذلك لزمه؟ الحديث في الواقع يحتمل هـ?ذا وهـ?ذا؛ ولكن الذي تقتضيه أدلة أخرى أنه إذا مات قبل إدراك زمنه فلا شيء عليه، وذلك لأنه وإن لم يشترطه بلفظه فقد اشترطه بحاله، فإن الرجل إذا قال في رجب: لله علي أن أحج، معلوم متى يكون ها الحج؟ في ذي الحجة، لا يمكن أن يكون المراد أن يحج في رجب، وكأنه قال: إذا جاء شهر ذي الحجة فلله علي نذر أن أحج، فيكون هـ?ذا المعلوم كالمشروع.

وعليه فإن الإنسان إذا نذر زمنا معينا ومات قبل إدراكه، فإنه لا شيء عليه، سواء كان معينا بالتعيين بالزمن، مثل أن يقول: لله علي نذر أن أصوم الشهر الفلاني، فيموت قبل إدراكه، أو يقول: أن أحج فيموت قبل زمن الحج فهـ?ذا لا يجب عليه.

ومن فوائد الحديث أنه لا يجب قضاء النذر على الفور، نقول: لأن هـ?ذا السؤال (نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ, فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ) فيه احتمال أنه قد مر عليها زمن الحج فلم تحج، وفيه احتمال أنه لم يمر.

وعلى الاحتمال الأول قد يكون فيه دليل أن النذر لا يجب على الفور.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير