تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن خالف النص فالمتبع النص، وإن عارضه قول صحابي آخر ينظر في الراجح، وذلك لأن لصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أقرب إلى الفهم والفقه في كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنهم عاصروا نزول النصوص، وعرفوا كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومراده.

ونحن نشاهد الآن أن أعلم الناس بقول العالم هم تلامذته، إذن فأعلم الناس بشريعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

يستفاد من هـ?ذا الحديث صحة حج الصبي لقوله: (فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى) فتبين من قوله: (حَجَّةً أُخْرَى) أن الأولى صحيحة لأن أخرى مؤنث آخر، وعليه يفيد صحة حج الصبي وقد أفاده حديث ابن عباس السابق الذي فيه أن امرأة رفعت يديها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبيا فقالت: (أَلِهَذَا حَجٌّ? قَالَ: ((نَعَمْ: وَلَكِ أَجْرٌ))).

ومن فوائد الحديث أن هـ?ذا الصبي لو بلغ في أثناء الحج فإن الحكم يختلف، فإن بلغ قبل فوات الوقوف ووقف بعرفة أجزأه الحج عن فريضة الإسلام؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الحج عرفة))، النية تنقلب، إذا بلغ فوات الوقوف بأن بلغ يوم عرفة وهو في عرفة أو بلغ ليلة العيد ثم رجع فوقف بعرفة فإن حجه يجزئه عن فريضة الإسلام، إلا أن الفقهاء رحمهم الله استثنوا من ذلك مسألة وهي ما إذا كان مفردا أو قارنا وسعى بعد طواف القدوم فإنه حينئذ لا تجزئه عن حجة الإسلام؛ لأن السعي ركن وقد تم قبل أن يكن هـ?ذا من أهل الوجوب فوقع نفلا. وقيل: بل يجزئه وإن كان سعى بعد طواف القدوم لكنه يعيد السعي.

وأظن هناك قولا ثالثا يقول: إنه يجزئ وإن سعى بعد طواف القدوم، ويكون السعي هـ?ذا تابعا للوقوف؛ لكن المذهب هو الأول أنه إذا سعى بعد طواف القدوم، أنه لا ينقلب فرضا.

الذي قبل البلوغ هل نقول: إنه نفل انقلب فرضا؟ أو إنه بقي نفلا، وما بعد البلوغ صار فرضا، فيه قولان للعلماء:

القول أن ما قبله ينقلب فرضا، وليس هـ?ذا بغريب، فإنّ الحج له عدة مخالفات في النية؛ فنجد الرجل مثلا يأتي إلى مكة قارنا، فيطوف طواف القدوم على أنّه نفل أو ركن؟ طواف القدوم نفل، ويسعى بين الصفا والمروة على أنّه ركن الحج والعمرة، ثم نقول له: اجعله عمرة، فيجعله عمرة، ليصير متمتعا. فنجد الآن أن الطّواف الذي كان نفلا انقلب ركنا، فصارت عمرة الآن، ونجد أن هـ?ذا السعي الذي كان للحج والعمرة صار الآن للعمرة.

بل لو قدّرنا أن هـ?ذا الرجل قدم مكة مفردا، وطاف الطواف نفلا لأنه طواف قدوم، وسعى للحج، السّعي ركن وللحج فقط، ثم نقول له: اجعل ذلك عمرة لتكون متمتعا، فيجعله عمرة، فينقلب طواف القدوم ركنا، وبعد أن كان طواف للقدوم للحج صار الآن ركن عمرة وينقلب سعي الحج سعي عمرة.

بل يصح أن يقع الإحرام بالحج مجهولا فتقول: لبيك اللهم بما أحرم به فلان. ثم لاقيته بمكة أو بعرفة يكون إحرامك بالعمرة، يكون بالعمرة، يكون بالحج بالعمرة قرانا، يكون بالحج والعمرة قرانا، ولهذا لما قدم عليّ من اليمن قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بم أهللت؟) قال: بما أهلّ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن معي الحج فلا تحرم، وصح إحرامه عن مجهول. وجاء أبو موسى قال: ((بم أهللت؟)) قال: بما أهل به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن يجعله عمرة، وألغى أن يكون قارنا لأن أبا موسى ليس معه هدي، وقد أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه الذين ساقوا معه الهدي أن يجعلوها عمرة.

فتجد الآن أن الحج يختلف عن غيره، فهـ?ذا الصبي الذي بلغ في عرفة ينقلب إحرامه من النفل إلى الفرض، ولكن هل السّابق يكون فرضا أو يكون نفلا؟ في هـ?ذا خلاف بين العلماء وهـ?ذا الخلاف ينبني عليه الثواب هل يثاب على السابق ثواب الفريضة أو يثاب ثواب النافلة؟

إن قلنا: إنه ينقلب فرضا أثيب ثواب الفريضة.

وإذا قلنا: يبقى على ما هو عليه قلنا الفرض من البلوغ أثيب على الأول ثواب نافلة.

يستفاد منه أن العبد إذا حج وهو رقيق فحجه صحيح.

رابعا أنه إذا حج في حال رقه ثم عتق وجب عليه أن يحج حجة أخرى؛ لأنّ الأولى وقعت نفلا حيث لا يلزمه الحج لأنه لا مال له، فلذلك قلنا: يجب عليه أن يعيد الحج مع أن العبد ه?ذا كان بالغا عاقلا فاهما واعيا ليس بالصغير الذي لم يبلغ.

وهـ?ذه المسألة الثانية اختلف فيها العلماء؛ بل الأولى اختلفوا فيها ولكن الثانية الاختلاف فيها أبين:

من العلماء من يرى أن العبد إذا حج في حال رقه بنية الفريضة فإنه لا يلزمه أن يحج حجة أخرى، وذلك لأن سقوط الحج عنه ليس لخلل فيه ذاته؛ يعني ليس لأنّ الرجل ليس من أهل الوجوب، ولكن لأنه لا يستطيع؛ لأنه مملوك؛ فليس عنده مال، وليس مالكا لنفسه لا يحج إلا بإذن سيده، فلهذا نقول: إنه ليس عدم وجوب الحج عليه لخلل في نفسه؛ ولكن لأنه غير مستطيع، وهـ?ذا لا يمنع من إجزاء الحج عن الفريضة بدليل أن الفقير أنه لا يلزمه الحج؛ ولكن لو حجّ أدى حتى عن الفريضة؛ لأن ذلك ليس لمعنى يعود للشخص نفسه؛ ولكنه يعود إلى شيء خارج وهو عدم القدرة المالية.

وله?ذا كان القول الراجح في هـ?ذه المسألة أن العبد إذا حج قبل عتقه ونوى به الفرض فهو فرض ولا يلزمه أن يحج حجة أخرى، لأن ه?ذا العبد من أهل التكليف، وسقوط الحج عنه ليس لمعنى في نفسه؛ ولكن لمعنى خارج وهو عدم القدرة عليه فإذا تكلف وأذن له سيده وحج فنعم؛ ولكن لو حج بغير إذْن سيده يجزئه أو لا؟ هـ?ذا لا يجزئه؛ لأن زمنه مغصوب؛ لأن زمنه كان مملوكا لسيده، فإذا غصب نفسه فإنّه لا يجزئه.

فإن قلت: ألم يقل الفقهاء: إنّ العبد الآبق من سيِّده تصحّ منه صلاة الفريضة ولا تصح منه صلاة النافلة؟ فالجواب: أنّ بينهما فرقا؛ لأنّ الحج في هـ?ذه الحال -يعني قبل أن يعتق- نفل وليس بفريضة، بخلاف الصلاة الفريضة فإنها فريضة عليه حتى في حال رقه، فحصل الفرق. ()

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير