تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ اَلْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ.)، (ذَاتَ عِرْقٍ) هي مكان يحاذي قرن المنازل أو يزيد عنه قليلا، يبعد عنه عن مكة قليلا ويسمى عند الناس الطريبة.

(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ. وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إِلاَّ أَنَّ رَاوِيَهُ شَكَّ فِي رَفْعِه. وَفِي اَلْبُخَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ هُوَ اَلَّذِي وَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ.) وعلى ه?ذا فتكون السنة ثابتة إما عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإما عن عمر، وسنة عمر سنة متبعة لقول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)).

(وَعِنْدَ أَحْمَدَ, وَأَبِي دَاوُدَ, وَاَلتِّرْمِذِيِّ: عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ اَلْمَشْرِقِ: اَلْعَقِيقَ.) العقيق هـ?ذا مكان يتّصل بذات عرق، فإن هـ?ذا الوادي الكبير الذي يسمى وادي العقيق يمر بهـ?ذا وبهذا، فالصحيح أنه لا ينافي الحديث الذي ثبت في البخاري وفي مسلم وفي أبي داوود من أن ميقات أهل العراق ذات عرق، لأنها العقيق يمتد ويسمى العقيق ولو كان ممتدا من ذات عرق.

هـ?ذه المواقيت الخمسة إنما وقتها النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ رحمة بالخلق لأنه لو وُحِّد الناس على ميقات واحد لكان في ذلك مشقة عظيمة، فمن نعمة الله أنها وقت هـ?ذه الأماكن لكل هـ?ذه البلدان.

فنستفيد في هـ?ذا الحديث فوائد:

أولا ثبوت المواقيت المكانية.

ثانيا أنها خمسة.

ثالثا اختلافها في البعد والقرب، من مكة قد يقال: إن هـ?ذا من الأمور التعبدية التي لا نعلم حكمتها، وقد يقال: إن في هـ?ذا حكمة في ذلك وهي:

أن ذي الحليفة لأنها قريبة من المدينة، فكان من المناسب أن يحرم الإنسان من حين أن يخرج من المدينة لتكون أحكام الحرمين أو أحكام المسجدين متقاربة من حين أن يخرج من المدينة وحرمها يدخل فيما يختص بحرم مكة وهو الإحرام.

الجحفة أبعد من اليمن ويلملم؛ لأنها مُهَلّ أهل الشام، والشام فيه أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها، فإن كانت هـ?ذه الحكمة فالأمر واضح، وإذا كانت الحكمة وراء ذلك فالله أعلم.

من فوائد الحديث ثبوت آية من آيات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أنه وقّت هـ?ذه المواقيت قبل أن تفتح هـ?ذه البلدان، وهـ?ذا إشارة إلى أنها سوف تفتح وسوف يحج أهلها وهـ?ذه مواقيتهم.

ومن فوائد الحديث أن من مرّ بهـ?ذه المواقيت من غير أهلها وجب عليه الإحرام منها ولا يجوز أن يتعداها إلى ميقاته الأصلي، فلو قال الشامي إذا مر بالمدينة: أنا سأؤجل الإحرام إلى ميقاتي الأصلي وهو الجحفة. قلنا له: لا، لأن النبي قال: (وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهلهِنَّ) فأنت الآن مررت بميقات سابق فيجب عليك أن تحرم منه، وهـ?ذا هو رأي الجمهور، وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه يجوز للشامي أن يؤخر الميقات إذا مرّ بذي الحليفة ويحرم من الجحفة، وهـ?ذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ ولكنّ الصواب مع الجمهور في هـ?ذه المسألة، وأن الإنسان إذا مر بالميقات يريد الحج أو العمرة وجب عليه أن يحرم ولا يتجاوزها.

لقوله (مِمَّنْ أَرَادَ اَلْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ)، أن من دون هـ?ذه المواقيت يحرم من مكانه ولا يلزمه أن يرجع إلى الميقات ويحرم منه، لقوله: (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ).

أن من تجاوز هـ?ذه المواقيت لا يريد حجا ولا عمرة ثم بدا له بعد تجاوزها أن يحج أو يعتمر فإنه لا يلزمه الرجوع، وإنما يحرم من حيث أنشأ النية.

أن ميقات أهل مكة بل من كان في مكة ميقاته من مكة، لقوله: (حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) وهـ?ذا في الحج ظاهر وواضح؛ فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يلزم أهل مكة حين أرادوا الإحرام بالحج أن يخرجوا إلى الحل، ولم يلزم الصحابة الذين حلوا أن يخرجوا إلى الحل؛ بل أحرموا من مكانهم.

فإن قلت: هل يشمل هـ?ذا العمرة؟ قلنا: قد قيل بها، وأن من أراد العمرة من أهل مكة يحرم من مكة؛ ولكن هـ?ذا قول ضعيف؛ لأن هـ?ذا العموم خُص بحديث عائشة وبالمعنى أيضا:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير