تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم نقول: إنه ليس مطلق الترفه موجب للفدية، فها هو المحرم يغتسل ويتبرّد ويأكل المأكولات الطيبة ويتفكه في المشارب وفي الملبوسات المباحة وكذلك في المفروشات ويستظل، وهو نوع من الترفه.

فالتعليل بالترفه فيه نظر أيضا.

له?ذا نقول: إنْ دلّ الإجماع على وجوب الفدية في لبس ه?ذه الأشياء فهو المتبع، وليس لنا أن نخرج عن إجماع المسلمين، وإن لم يدل الإجماع على ذلك فالأصل براءة الذِّمة وإلحاق ه?ذه بحلق الرأس مع إمكان وجود الفارق فيه نظر.

قال المؤلف رحمه الله تَعَالى?: (وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ, وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.) ذكر المؤلف رحمه الله ه?ذا الحديث عقب حديث ابن عمر لأن في حديث ابن عمر الإشارة إلى تحريم الطيب على المحرم، وه?ذا الحديث يدلّ على جواز استعمال الطيب عند الإحرام، ولازم ذلك أن يبقى الطِّيب في الإنسان بعد إحرامه؛ بل صريح ذلك كما جاء في حديث آخر قالت: كأني انظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم. وبيص بمعنى بريق؛ البريق واللمعان وهو محرم.

فيستفاد من حديث عائشة أن استدامة الطيب للمحرم ليست حراما، وه?ذا صحيح ما فيه شك، والعلماء أخذوا من ه?ذا القاعدة وقالوا: إن الاستدامة أقوى من الابتداء، فالطيب للمحرم استدامته جائزة وابتداؤه لا تجوز، الرجعة للمحرم يعني إذا راجع زوجته وهو قد طلقها جائزة وابتداء عقد النكاح لا يجوز. والقاعدة ه?ذه صحيحة وسليمة.

وقول عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها: (كُنْتُ أُطَيِّبُ) يستفاد منه أنه يجوز للرجل أن يستخدم زوجته في حوائجه الخاصة كالتطييب.

وقولها: (وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) يستفاد منه أن المحرم يحلّ في الحج قبل أن يطوف بالبيت؛ ولكن ه?ذا الحل هو التحلل الأول أو الأصغر كما يعبر بعض الناس. أما الثاني لا يكون إلا بعد الطواف والسعي.

ويستفاد من ه?ذا الحديث أيضا أنه لا حِلَّ بعد الطواف، وأنه لا يحل التحلل الأول برمي جمرة العقبة كما قال به كثير من أهل العلم. الصواب أنه لا يحل إلا بالرمي والحلق:

أولا لأنه ورد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كان ذكر الحلق ضعيفا؛ ولكن يؤيده حيث عائشة ه?ذا فإنها قالت: (وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) ولو كان يحل قبل الحلق لقالت: ولحله قبل أن يحلق.

ثانيا أننا إذا قلنا: لا يحل إلا بعد الحلق كان ذلك أحوط، فإنه إذا أخّر الحِلّ إلى ما بعد الحلق لم يقل أحد: إنك آثم، ولو حلق لقال له كثير من العلماء: إنك آثم. فيكون ه?ذا أحوط وأبرأ للذمة.

ويستفاد من ه?ذا الحديث أيضا أنه ينبغي للإنسان أن يتطيب عند حِلِّه، وه?ذه سنة كثير من الناس إما أنه يجهلها أو يفرِّط فيها.

ثم قال عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَنْكِحُ اَلْمُحْرِمُ, وَلا يُنْكِحُ, وَلا يَخْطُبُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

(لا) نافية؛ لكن النفي هنا بمعنى النهي، ويقع النفي موقع النهي إثباتا له؛ كأنه قيل: إن ه?ذا أمر منتفٍ لا جدال فيه، بخلاف ما لو جاء في صيغة النهي فقد يمتثل وقد لا يمتثل، فإتيان الأمر بصيغة الخبر المنفي يكون أثبت وأبلغ.

قوله: (لا يَنْكِحُ اَلْمُحْرِمُ) هل هو الرجل أو المرأة؟ يشمل الرجل والمرأة، فالرجل لا يعقد على امرأة، والمرأة لا يُعقد لها على رجل.

(وَلا يُنْكِحُ) يعني ولا يُنكح غيره؛ وه?ذا يدل على أنه لا يكون وليا في عقد نكاح، فلو أن الولي كان محرما والزوج والزوجة مُحِلَّين وعقد الولي فهـ?ذا حرام؛ لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلا يُنْكِحُ).

قال: (وَلا يَخْطُبُ) الخِطْبَة أن يخطِب امرأة إلى نفسه ليتزوجها، فلا يحل له أن يخطب.

أما العقد فلأنه وسيلة قريبة إلى الجماع، وأما الخِطبة فإنها وسيلة إلى العقد، فالخطبة وسيلة إلى العقد، والعقد وسيلة إلى الجماع، والجماع معروف أنه محرم، فحُرِّمت ه?ذه الأشياء الثلاثة سدًّا للذريعة.

وهنا ذريعتان: أولى وثانية؛ الخِطبة ذريعة أولى، والعقد ذريعة ثانية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير