تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَعَنْ اَلصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اَللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا, وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ, أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: ((إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

[الشرح]

(اَلصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كان رجلا مضيافا كريما، وكان عدّاء سبوقا يصيد الحمر، لما نزل به الرّسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وأكرم به من ضيف! ما وجد أحدا أكرم منه ضيفا، فذهب يصيد له فأصاب حمارا وحشيا وصاده وجاء به إلى الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ؛ ولكن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردّه، فلما رده على الصعب وقد جاء به إكراما لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى أن ه?ذا أمر كبير رسول الله يرد هديته وضيافته، تغير وجهه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فلما رأى ما في وجهه اعتذر إليه صلوات الله وسلامه عليه، وقال: ((إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ)) بين له السبب، فزال ما في نفسه، وكأن ه?ذا القول الذي إليه كأنه ماء بارد على جسم حار اطمأن واستراح؛ لأنه لما أخبره بالسبب سبب شرعي لا احتقارا لما قام به الصاحب، ولا شبهة فيه؛ ولكن لأنهم كانوا محرمين.

فهنا الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لم يأكل وقال لأصحاب أبي قتادة: ((كلوا))، فكيف نجمع بين الحديثين؟

قال بعض العلماء: إن حديث الصعب ناسخ لحديث أبي قتادة؛ لأن حديث الصعب كان في حجة الوداع، وحديث أبي قتادة في عمرة الحديبية، وبينهما أربعة سنوات، ومعلوم أنه إذا تعارض حديثان ولا يمكن الجمع بينهما فإننا نعدل إلى النسخ، والنسخ هنا محقق؛ لأنه متأخر والجمع على ه?ذا القول متعذّر.

فنقول: إذن إذا أهدي لمحرم لحم صيد حرم عليه مطلقا، قالوا: ويؤيد قولنا أن الله قال: ?وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا? [المائدة:96]، والصيد هنا بلا شك بمعنى مصيد وليس اسم مصدر، أو مصدر صاد يصيد صيدا، لا يصحّ أن يكن مصدرا لأن البر لا يصاد، إذ أن البر لا يصاد، فالصيد هنا بمعنى المصيد بمعنى اسم المفعول، وظاهره أنه حرام على المحرم سواء صاده أم لم يصده.

فقالوا: إذن نأخذ بحديث الصعب بن جثامة؛ لأنه متأخر فيكون ناسخا ولأنه يقوّيه ظاهر القرآن.

وعلى ه?ذا فإذا جاءنا رجل ونحن محرمون بلحم أرنب أو غزال أو حمامة، وإن كان لم يصده من أجلنا، فإننا نردّه، ونبيّن له السبب كما فعل الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.

وقال بعض أهل العلم: إنه لا يمكن أن نقول بالنسخ مع إمكان الجمع، وإمكان الجمع هنا حاصل مؤيّد بقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صيد البرّ حلال لكم ما لم تصيدوه أو يُصد لكم)).

كيف إمكانه؟ إمكانه بأن يحمل حديث الصعب بن جثّامة على أنه صاده للرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما حديث أبي قتادة فقد صاده أبو قتادة لنفسه.

وه?ذا جمع حسن ويؤيده حديث جابر ((صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم)). وإذا أمكن الجمع وجب الرجوع إليه؛ لأنّ به العمل بكلا الدليلين.

إذن يستفاد من ه?ذين الحديثين عدة فوائد:

الأول: جواز أكل الْمُحرم الصيد إذا لم يصد له، ولم يكن له أثر في صيده، لحديث أبي قتادة.

ثانيا: ورع الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

ثالثا: جواز تجاوز الميقات بلا إحرام لمن لم يرد الحج أو العمرة لحديث أبي قتادة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

رابعا: وجوب الاستفصال عند الفتوى إذا كان المقام يحتمله، لقوله: ((هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء)).

أنّ الوسائل لها أحكام المقاصد؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ جعل الإشارة كالفعل في تحريم الأكل.

أما الحديث الثاني:

فيُستفاد منه: محبة الصحابة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإكرامه له لحديث الصعب بن جثّامة.

ويستفاد منه أيضا حُسن خلق الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث اعتذر عند ردِّه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير