تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اَللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ) وذلك في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة.

وأسباب الفتح معلومة وهو أن قريشا لما عاهدوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديبية نقضوا الصلح والعهد الذي كان بينهم وبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يبق لهم عهد بينهم وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إليهم وقاتلهم ففتحها الله له عنوة بالسيف؛ ولكنها لم تقسم لأنها محل مشاعر الإسلام ومشاعر الحج فلا يمكن قسمتها.

قال: (قَالَ: ((إِنَّ اَللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ اَلْفِيلَ))) حبس أي منع، والفيل هو الفيل الذي أتى به أبرهة من أجل أن يهدم الكعبة، والقصة مشهورة معلومة في التاريخ ومعلومة في التفسير، وذلك أن الله تَعَالى? أرسل عليهم طيرا أبابيل جماعات متفرقة ترميهم بحجارة من سجّيل حجارة صلبة فجعلهم كعصف مأكول وأبادهم عن آخرهم؛ ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلطه الله عليها ((وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ)) أي جعل لهم السلطة عليها في دخولها.

فإن قلت: ما الرابطة بين حبس الفيل وتسليط الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه؟

فالجواب أن الفيل لو دخل مكة لحصل بينهم وبين أهل مكة قتال، وانتهكت فيه الحرمة -حرمة الحرم-، أما النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فحصل بينه وبين أهل مكة قتال؛ ولكن سيأتي بيان أن ه?ذا خاص بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فإن قلت: لماذا منع الله الفيل وسلط رسوله والمؤمنين عليها؟

الجواب أن أصحاب الفيل جاؤوا لإهانة الكعبة، وأما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فجاؤوا لتعظيم الكعبة، ولهذا لما قال سعد بن عبادة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اليوم يوم ملحمة، اليوم تستحل الكعبة، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كذب؛ بل ه?ذا يوم تعظم فيه الكعبة)) وقت دخول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مكة.

إذن فالفرق بينهما ظاهر، والحكمة في تسليط النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وأصحابه دون أصحاب الفيل ظاهرة جدا.

قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ, وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي) يعني ما من أحد من الأنبياء وأممهم أحلّ الله له أن يدخل مكة بقتال أبدا؛ لأن مكة معظمة الأشجار وهي جمادات نامية محترمة فيها كما سيأتي.

قال: (وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي, وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ)، وهي ما بين طلوع الشمس إلى طرف العصر، الوقت الذي لابد فيه من القتال حتى يدخلها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ساعة من نهار أحلت للرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، فهي لم تحل لأحد قبله، ولم تُحل له حِلاًّ مطلقا إنما أُحلت له ساعة من نهار بقدر الضرورة.

ثم قال: (وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعْدِي) فصارت مكة حرام قبل الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ حرام بعده، في أول البعثة وآخرها، ولم تحل للرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ إلا ساعة من نهار في كل عهد رسالته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.

وه?ذا يدل على عظمة ه?ذا البيت عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى?.

قال: (فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا) وفي حديث آخر أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: ((إن أحد ترخص بقتال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم)).

قال: (فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا) ومعنى (يُنَفَّرُ) أن يطرد ولا يزجر ولا يشوش عليه، لو أتيت إلى صيد مستظل تحت شجرة فإنه لا يجوز لك أن تنفره، ولا يجوز لك أن تقتله من باب أولى، أما لو نفرد من دون تنفير لما أحس بالماشي حوله طار فإنه لا إثم عليك في ذلك لأنك لم تنفره.

(وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا) وفي لفظ (لا يعقد) أي يقطع شوكها، (ولا يختلى خلاها) الخلا الحشيش أي لا يحش الشوك؛ و (العقد) القطع، (الشوك) يعني الشجرة ذات الشوك؛ أي أن حشيشها لا يحش، وشجرها لا يقطع ولو كان ذا شوك، احتراما للمكان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير