تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذن أهل قبل أن تستوي به ناقته على البيداء؛ ولكن الجمع بين قول جابر وقول ابن عمر قريب وظاهر، هو أن ابن عمر سمعه حين استوت به ناقته عند المسجد، وجابر سمعه حين استوت به على البيداء، وكل إنسان حسب ما سمع، وه?ذا هو الواجب على كل إنسان أن يحكي ما سمع أو ما ثبت عنده بطريق صحيح، فلا منافاة، ولهذا وردت أحاديث أنّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل دُبر الصلاة قبل أن يركب، ومع ه?ذا فالجمع بينه وبين حديث جابر وابن عمر قريب أيضا، كما جمع ذلك ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فيما رواه الحاكم وغيره وهو أن الناس يدركون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أوقات مختلفة:

فأدركه قوم عند صلاته وقالوا: أهل بعد الصلاة، وصدقوا.

وأدركه قوم بعد أن ركب عند المسجد، وقالوا: أهل عند استوت به ناقته عند المسجد، وصدقوا.

وأدركه آخرون حين استوت به على البيداء فقالوا: أهل حين استوت به ناقته على البيداء، وصدقوا.

والجمع ه?ذا قريب وليس فيه إشكال.

ومن فوائد الحديث أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر أنه في مجيئه إلى مكة وإحرامه إنما يفعل ذلك تلبية لدعاء الله، فأين الدعاء؟ قال الله تَعَالى?: ?وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ? [الحج:27 - 28]، فالأذان بأمر الله يعتبر أداء من الله، فإذا كان الله هو الذي أذّن فأنا أجيبه وأقول: لبيك اللهم لبيك .. إلى آخره.

ثم قال جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا اَلْبَيْتَ اِسْتَلَمَ اَلرُّكْنَ)، (حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا اَلْبَيْتَ) يعني الكعبة (اِسْتَلَمَ اَلرُّكْنَ) أي مسحه بيده، أي اليدين؟ اليمنى لأن اليد اليمنى تُقدَّم للإكرام والتعظيم، واليد اليسرى في الإهانة فمسحه بيده اليمنى.

قال: (فَرَمَلَ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا)، (رَمَلَ) قال العلماء: الرّمل هو سرعة المشي مع مقاربة الخطى، (ثَلاثًا) أي ثلاثة أشواط، (وَمَشَى أَرْبَعًا) أي أربعة أشواط، وفيه دليل أن الطواف سبعة أشواط، وأن طواف القدوم يرمل فيه الإنسان في الأشواط الثلاثة الأولى ويمشي في الأشواط الأربعة الباقية.

وفيه دليل على أن الرمل من الحجر إلى الحجر، وليس من الحجر إلى الركن اليماني كما فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضاء.

فإن قلت: ما الحكمة من الرمل في الطواف في الأشواط الثلاثة الأولى دون الأربعة الباقية؟

فالجواب أن الحكمة في ذلك تذكير المؤمنين في أصل ه?ذا الرّمل؛ لأن أصله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قاضى أهل مكة في غزوة الحديبية على أن يرجع في العام القادم معتمرا، أهل مكة أعداء للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، والعدو يحب الشماتة بعدوه،.

فقال بعض الكفار: دعونا نجلس هنا ننظر إلى ه?ؤلاء القوم الذي وهنتهم حمى يثرب، كيف يطوفون؛ لأن عند ه?ؤلاء أن القوم أصابهم المرض وأنهك قواهم، يريدون الشماتة وجلسوا في جانب الكعبة من جهة الشمال، وقالوا: ننظر، فأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه أن يرملوا ليظهروا الجلد القوة والنشاط ليغيضوا الكفار وإغاضة الكفّار -يا إخوتي المسلمين- إغاضة الكفار أمر مقصود لله عز وجل، كما قال الله تَعَالى?: ? مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ? [الفتح:29]، وقال تَعَالى?: ?لاَ يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ? [التوبة:120]، أراد النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ من قومه أن يغيظوا الكفار؛ لكنه أمرهم أن يرملوا من الحجر إلى الركن اليماني دون ما بين الركنين؛ لأنهم بين الركنين يختفون عن المشركين، وأراد الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير