تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن يرفق بأصحابه، ولهذا جعل الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى؛ لأن الثلاثة أقل من الأربعة، فاعتبر الأقل في جانب الصعوبة، الرمل أصعب من المشي العادي فجُعل له الأقل، والثلاثة من سبعة، ثم إن اختيار الثلاثة دون الأربعة مثلا فيها القطع على وتر، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى? إذا تأملنا مشروعاته وجدنا غالبها مقطوعا على وتر، ففيه فائدتان في كونه -أي الرمل- خاصا بالثلاثة الأولى فقط:

أولا اعتبار الأخف في باب المشقة.

وثانيا القطع على وتر.

ولكن في حجة الوداع رمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأشواط كلها -كل الثلاث- من الحجر إلى الحجر؛ لأن العلة التي من أجلها شُرع الحكم وهي إغاظة الكفار الذي يشاهدون فقط انقطعت، فصار الرمل من الحجر إلى الحجر؛ لأنه صار الآن عبادة، ولا يكون القصد منه الإغاظة لأن الإغاظة انتهت، لكن صار الآن عبادة فأكملت الأشواط الثلاثة، فصار الرمل من الحجر إلى الحجر.

هل أنا أذكر حال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حين قدموا في عمرة القضاء؟ أو إنني أذكر المعنى الأصلي المقصود وهو إغاظة الكفار؟ أو الأمرين؟ إذا تذكرنا الأمرين فهو خير؛ يعني أتذكر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصابه فعلوا ذلك فأقتدي بهم ولاسيّما في حجة الوداع، وأيضا أتذكر أن من شأن المسلم أن يفعل ما يغيظ الكفار.

(فَرَمَلَ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) وجعل المشي في الأربعة إبقاء على أصحابه حتى لا يتعبوا من الطواف بجميع البيت على وجه الرمل.

(ثُمَّ أَتَى مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ) مقام إبراهيم هو الذي قام عليه حين بناء الكعبة، فإن الكعبة لما ارتفع بناؤها احتاجت إلى بشيء يقوم عليه حتى يدرك أعلى البناء وهو حجر وه?ذا الحجر جعل الله فيه آية وهي أثر قدمي إبراهيم، وقد شهده أوابد ه?ذه الأمة، شهدوا أثر ه?ذه القدم؛ ولكنه انمحى بكثرة لمسه من الناس انمحى وزال، وقد أشار إلى ه?ذا أبو طالب بقوله:

على قدميه حافيا غير ناعل

وموضع إبراهيم في الصخر غضة

تقدم إلى مقام إبراهيم يقول: وقرأ: ?وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى? [البقرة:125]، ما ذكرها المؤلف، حذف المؤلف له?ذه الآية حذف مخل رحمه الله، وكان عليه أن يقولها لأنها من صفة الحج؛ فإنه يسن للإنسان إذا فرغ من الطواف أن يتقدم لمقام إبراهيم وأن يقرأ: ?وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى? وفائدة قراءتها شعور الإنسان أنه يتقدم إلى ه?ذا المقام فيصلي به امتثالا لأمر الله عز وجل، ولا شك أن شعور الإنسان حين القيام بالعبادة بأنه يفعله امتثالا لأمر الله لاشك أن ه?ذا يزيد في إيمانه بخلاف الذي يفعل العبادة وهو غافل عن ه?ذا المعنى، فإن العبادة تكون كالعادة، ولهذا قال المتكلمون على النيات: إن النية نوعان:

• نية العمل.

• ونية المعمول له.

والأخيرة أعظم مقاما من الأولى؛ لأن نية العمل تأتي ضرورة، ما من إنسان عاقل يقوم بعمل إلا وقد نواه وقصده، حتى قال بعض العلماء: لو كلَّفنا الله بعمل بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق. يقال لأحدنا: تَعَال صلّ لكن اسحب النية من الصلاة، تقول: ما أقدر.

لكن المقام الأسنى والأعلى نية المعمول له، التي تغيب عنا كثيرا، لو أننا عندما نتوضأ نشعر بالإخلاص والمتابعة فكيف نتذكر؟ نتذكر أن الله أمرنا بالوضوء ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ? [المائدة:06]، ه?ذا الإخبار، وكأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ أمامنا ه?ذا هو المتابعة.

فإذا فرغت من الطواف فتقدم إلى مقام إبراهيم واقرأ ?وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى? [البقرة:125].

فيستفاد من ه?ذا أنه ينبغي أنه إذا فرغ من الطواف أن يتقدم فورا إلى مقام إبراهيم دون تأخر ويقرأ ه?ذه الآية.

كلمة: (تقدم إلى مقام إبراهيم) هل تشعر بأن المقام في مكانه الحاضر الحالي، أو يحتمل أنه في مكانه -كما قيل- الذي عند باب الكعبة؟ الحقيقة أنها لا يستفاد منها ولا ه?ذا؛ لأن التقدم في كلا الأمرين، إن كان في مكان فيتقدم إن كان كما قيل إنه لاصق بالكعبة فهو أيضا يتقدم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير