تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أرأيتم جمعه في المدينة من أجل المطر، ما المقصود منه، حرص على الجماعة إلا فبإمكانهم أن يذهبوا إلى بيوتهم ويصلوا فيها وهم معذورون في ه?ذه الحال؛ ولكن لأجل الجماعة جمع عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.

كذلك جماعة من العلماء أبدى حكمة أخرى قال: من أجل أن يطول زمن الوقوف والدعاء حتى لا يشتغل الناس بالصلاة بالطهارة لها والنداء والاجتماع إليها، ويبقون في الدعاء والتضرع لله عز وجل من حين أن يصلوا الظهر والعصر جمع تقديم.

يقول: (وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.) يعني ما صلى بين الظهر والعصر شيئا لأن سنة الظهر تسقط عن المسافر، (ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى اَلْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ اَلْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ, وَجَعَلَ حَبْلَ اَلْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ اَلْقِبْلَةَ) ذهب عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ في موقفه إلى أقصى عرفة من الشرق من خلف الجبل، جعل بطن الناقة إلى الصّخرات، يعني يلي الصخرات، وحبل المشاة وهو طريق يمشون فيه الناس جعله بين يديه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، واستقبل القبلة ولم يزل واقفا على بعيره حتى غربت الشمس، وهو مشتغل بالابتهال إلى الله عزّ وجل، والتضرع إليه رافعا يديه إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالى?? حتى غربت الشّمس، ولم يَمَلْ ولم يتعب مع طول القيام؛ ولكنّ الله عزّ وجل أعانه على طاعته أعانه عونا.

وثبت أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ سقط خطام ناقته فأخذه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى، وه?ذا يدلّ على تأكد رفع اليدين هنا.

المهم أنه بقي يدعو، يقول: (فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ اَلشَّمْسُ, وَذَهَبَتْ اَلصُّفْرَةُ قَلِيلاً, حَتَّى غَابَ اَلْقُرْصُ, وَدَفَعَ)

في ه?ذا من الفوائد:

أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أنه ذهب في ذلك الموقف لأنه والله أعلم كان من عادته أن يكون في أخريات القوم، وه?ذا هو آخر حدود عرفة في الناحية الشرقية، أو هو آخر ما يصل إليه الحجاج في ذلك الوقت، ووقف ه?ذا الموقف وقال للناس: ((وقفت ههنا وعرفة كلها موقف)) حتى لا يجتمع الناس إلى ه?ذا المكان فيحصل الضيق والعنت عليه، كأنه يقول: الزموا أماكنكم فإن عرفة كلها موقف.

ويستفاد من ذلك استقبال القبلة حال الدعاء يوم عرفة، ورفع اليدين، وأن الإنسان إذا تشاغل بما ينفع المسلمين من إجابة سؤال أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر فإنّ ذلك لا يقطع دعاءه؛ لأن نفع ه?ذا متعد، والدعاء نفعه خاص غير متعدٍّ، فلا ينبغي للإنسان مثلا إذا اشتغل بالدعاء في عرفة وجاء شخص يسأله أن يكشِّر في وجهه، أو يقول: لا تشغلني، أو ما أشبه ذلك.

اللهم إلا في مسائل لا تفوت وه?ذا السائل الذي معك سيدركك ويسألك في وقت آخر، فهنا ربما نقول: إنه يسوغ لك أن تقول: لا تشغلني واشتغل بالدعاء.

قد يكون ه?ذا السائل من رفقتك، ويكون السؤال لا داعي له، لا حاجة إلى بيانه في ه?ذا الوقت؛ لأنها مسألة علمية تناقشوا فيها واختلفوا وجاءوا إليك يسألونك مثلا، فلكل مقام مقال، لكن لو كانت مسألة واقعة حادثة تحتاج إلى حلّ فإن التشاغل بإجابة السائل هنا أفضل من التشاغل بالدّعاء.

ومن فوائد ه?ذه الجملة أنه لا دفْع من عرفة إلا بعد الغروب لقوله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (حَتَّى غَابَ اَلْقُرْصُ, وَدَفَعَ) ولا يجوز الدّفع قبل الغروب؛ لكن لو دفع فهو آثم والحج صحيح، لحديث عروة بن مضرّس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وسيأتي إن شاء الله تَعَالى?.

الدفع قبل الغروب فيه عدة مفاسد:

المفسدة الأولى أنه خلاف هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثانيا أنه موافق لهدي المشركين؛ لأنّ المشركين كانوا يدفعون من عرفة إذا كانت الشمس على الجبال كالعمائم على الرؤوس دفعوا.

الثالث أن فيه نصّا في الوقوف الذي هو الرّكن، ومعلوم أن الأركان أفضل من الواجبات، والواجبات أفضل من السنن؛ لأنه كلّما تأكدت العبادة كانت أفضل لقوله تَعَالى? في الحديث القدسي: ((ما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير