تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرَ فَحَرَّكَ قَلِيلاً، ثُمَّ سَلَكَ اَلطَّرِيقَ اَلْوُسْطَى ... ) إلى آخره، (أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرَ) ه?ذا بطن الوادي وسمي محسرا؛ لأنه يُحسِّر سالكه لأن فيه رملا فيحسر سالكه. (فَحَرَّكَ قَلِيلاً) لماذا حرك؟

قيل: لأن ه?ذا هو المكان الذي نزلت فيه عقوبة أصحاب الفيل، فأسرع فيه، ولهذا أمر أن يسرع الناس إذا مروا بديار ثمود.

وقيل: إنه أسرع فيه من أجل أنه دع، وعادة يكون المشي في الدعة بطيئا فحرك،

وقيل: إنه حرّك لأن قريشا كانوا ينزلون في ه?ذا الوادي ويذكرون أمجاد آبائهم؛ يفتخرون بهم، فأراد الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أن يعاكسهم وأن يسرع بدلا من وقوف قريش.

على كل حال كل ه?ذا ممكن إلا القول بأنه أسرع لأن الله أنزل فيه عقوبة أصحاب الفيل ففيه نظر؛ لأن المعروف أن عقوبة أصحاب الفيل كانت في المغمس وليست هنا.

قال: (ثُمَّ سَلَكَ اَلطَّرِيقَ اَلْوُسْطَى) لأن منى فيها ثلاثة طرق شمالية وجنوبية ووسطى، فسلك عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، الجمرة يعني مكان اجتماع الناس؛ لأن الناس كلهم ينصبّون في ه?ذه الجمرة، ورمى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وهو راكب وكان معه أسامة وبلال أحدهما يقود به راحلته، والثاني يظلله بثوبه؛ يستره من الحر، قال: (حَتَّى أَتَى اَلْجَمْرَةَ اَلَّتِي عِنْدَ اَلشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ, يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا) يعني يقول: الله أكبر، (كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا, مِثْلَ حَصَى اَلْخَذْفِ, رَمَى مِنْ بَطْنِ اَلْوَادِي، ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى اَلْمَنْحَرِ, فَنَحَرَ) رمى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بطن الوادي لأنه أيسر، وكانت جمرة العقبة في ذلك الوقت، كانت في ذي الحجبة، وأنا أدركت ذلك، فرمى من ببطن الودي لأنه أيسر من أن يرمي من فوق.

ولكن كيف رمى؟ جعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه والجمرة أمامه، ه?ذا هو الذي ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. (فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ).

يستفاد من ه?ذا أنه ينبغي للإنسان في أسفاره أن يسلك أقرب الطرق إلى حصول المقصود؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلك الطريق الوسطى التي تخرج رأسا على جمرة العقبة.

وفيه أيضا المبادرة برمي جمرة العقبة، يرميها قبل أن ينزل من رحله.

وفيها أيضا أنها ترمى بسبع حصيات ويكبّر مع كل حصاة.

وفيه أن ه?ذا الحصى ليس بالكبير ولا بالصغير؛ بل هو مثل حصى الخذف قال العلماء: وهو بين الحمص والبندق.

وفيه أيضا أنه يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، فلو رماها من فوق الجبل؛ لكن لا ينبغي للإنسان أن يسلك الأشق مع إمكان الأسهل، إلا أنه يقال: ربما يكون رميها من فوق الجبل أسهل إذا كثر الزِّحام، كما كان الناس يفعلونه من قبل؛ لكن هنا بنوا ه?ذا الجدار من خلف لما أزالوا الجبل لئلا تُرمى من الخلف، ومع الأسف أنها صارت الآن ترمى من الخلف لاسيّما في يوم العيد يأتي الناس بكثرة وزحام ه?ذا الجدار فيرمون.

يقول: (ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى اَلْمَنْحَرِ, فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى اَلْبَيْتِ, فَصَلَّى بِمَكَّةَ اَلظُّهْرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلاً).

(اِنْصَرَفَ إِلَى اَلْمَنْحَرِ) يعني مكان نحر الإبل وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أهدى مائة بعير، والواحد منا الآن يتعثر على شاة واحدة واجبة أيضا. ويقول: أي الأنساك الثلاثة أسهل، وأيها التي ما فيها ذبح؟ فيختارها خوفا من ه?ذه الشاة، وأما الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأهدى مائة بعير وأشرك علي بن أبي طالب في هديها، ونحر منها ثلاثا وستين بيده، وأعطى عليا فنحر الباقي، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها تحقيقا لقوله تَعَالى?: ?فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ? [الحج:28].

قال العلماء: من الأمور العجيبة أنه نحر ثلاثا وستين بيده الكريمة وكان ه?ذا العدد مطابق لسنين عمره، فإن عمره كان ثلاثا وستين سنة صلوات الله وسلامه عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير