تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[29 - 11 - 07, 07:53 م]ـ

[الحديث الخامس والخمسون]

وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِرُعَاة اَلإِبِلِ فِي اَلْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى, يَرْمُونَ يَوْمَ اَلنَّحْرِ, ثُمَّ يَرْمُونَ اَلْغَدِ ومن بعد الغد لِيَوْمَيْنِ, ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ اَلنَّفْرِ. رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ حِبَّانَ.

[الشرح]

(رَخَّصَ) الرخصة في اللغة بمعنى السهولة، وعند الأصوليين: ما ثبت على خلاف دليل شرعي بمعارض راجح، ولو قالوا: ما ثبت على خلاف الأصل بمعارض راجح لكان أولى وأوضح وهو كذلك، ه?ذا هو مرادهم.

ما ثبت على خلاف الأصل بمعارض راجح، ه?ذا يسمى رخصة، يعني على خلاف الأصل، ومنه ((رخّص في العرايا، أن تباع بخرصها تمرا))، رخّص بمعنى سهل من الأصل، ما هو الأصل؟ الأصل التحريم في العرايا، والعرايا أن تبيع الرطب بالتمر، لأنه يشترط التماثل، والتماثل بين الرطب التمر مستحيل.

المهم أن الرخصة هي ما ثبت على خلاف الأصل بمعارض راجح هو السهولة.

وترك المبيت في منى على خلاف الأصل؛ لأن الأصل هو المبيت.

وقوله: (لِرُعَاة اَلإِبِلِ) جمع راعٍ، وهم الذين يرعونها في أماكن النبات، والمراد بالإبل هنا إبل الحجاج، لأن الحجاج في منى نازلون لا يحتاجون إلى إبلهم، والإبل تحتاج إلى الأكل فيذهب بها الرعاة إلى مواضع القطر والندى لترعى.

(فِي اَلْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى) كان مقتضى التركيب أن يقول: في البيتوتة في منى. لكن (عَنْ مِنًى) تحتاج إلى تأويل: إما بعن وإما بالبيتوتة، كما مر علينا في ه?ذا وأمثاله أنّ العلماء -علماء النحو- اختلفوا هل التجوّز في الحرف أو في الفعل أو في العامل الذي قلبه، وقلنا أن مذهب البصريين أن التجوز في العامل الذي قبله والكوفيين في الحرف، فمثلا يقولون: (عن) هنا بمعنى الباء؛ البيتوتة بمنى. أما البصريون فيقولون: إن البيتوتة هنا بمعنى النزوح؛ النزوح عن منى والبعد عنها، ومعلوم أنه إذا نزحوا عن منى فلن يبيتوا بمنى.

على كل حال رخص لهم أن لا يبيتوا بمنى.

لكن الرمي قال: (يَرْمُونَ يَوْمَ اَلنَّحْرِ) وه?ذا لابد منه؛ لأن الحجاج على رواحلهم يوم النحر، فلم يسلموها للرعاة، وليس الرعاة في حاجة إلى أن يؤجلوا رمي يوم النحر أليس كذلك.

قال: (ثُمَّ يَرْمُونَ اَلْغَدِ ومن بعد الغد لِيَوْمَيْنِ) يعني يجمعون رمي الغد واليوم الثاني من أيام العيد والأول من أيام التشريق، (لِيَوْمَيْنِ) يعني اليوم الثاني عشر، فيكون المبيت ليلة إحدى عشر، وليلة اثني عشر، والرمي يوم إحدى عشر ما يرمون يؤجلون إلى اليوم الثاني عشر، ثم يرمون يوم الغد؛ لأنهم إذا جاؤوا في يوم الثاني عشر ما يذهبون للرعي، إذ أن من الناس من لم يتعجل فيحتاج إلى إبله، ومن الناس من يتأخر فلا يحتاج إلى إبله، وهؤلاء لا يذهبون خارج منى يرعون إبلهم، ولو كانوا يبقون في المرعى إلى اليوم الثالث عشر لأخروا رمي الجمرات إلى اليوم الثالث عشر؛ لكنهم يأتون اليوم الثاني عشر من أجل من يستعجل.

في ه?ذا الحديث من الفوائد:

منها العناية بالرواحل وأن لا تترك بدون رعي؛ لأن في ذلك تعذيبا لها وإيلاما لها بالجوع، وقد قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت)) فلا يجوز للإنسان أن يحبس البهائم في مثل ه?ذه المدة، وإن كانت الإبل قد تصبر مثل ه?ذه المدة؛ لكن تصبر مع التحمل والمشقة، والله عز وجل أوجب علينا أن نرعى ما تحت أيدينا رعاية تامة.

ومن فوائد الحديث شمول الإسلام، شمول الشريعة الإسلامية وأنها تلاحظ حتى البهائم، ترك ه?ذه الشعيرة من أجل مراعاة ه?ذه الإبل.

ومن فوائد الحديث أن المشتغل بالمصالح العامة يسقط عنه وجوب المبيت بمنى؛ لأنّ ه?ؤلاء الرعاة سقط عنهم وجوب المبيت بمنى؛ لقوله: (رَخَّصَ)، الترخيص بمعنى التسهيل، وإن لم يكن المبيت بمنى واجبا لكان رخصة لهؤلاء ولغيرهم؛ لأن غير الواجب لا يُلزم به الإنسان فهو في سهولة منه.

إذن ضٌم ه?ذا الدليل إلى ما سبق من الأدلة الثلاثة وربما يكون ه?ذا الدليل أقوى الأدلة السابقة في إفادة الوجوب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير