تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال آخرون -وهو ظاهر كلام الحنابلة رحمهم الله-: إن المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة فقط، وقالوا: عندنا دليل لا يمكنكم معه الكلام إطلاقا، وهو أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال فيما رواه مسلم من حديث ميمونة رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((صلاة في مسجدي ه?ذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة)) ه?ذا لفظ الحديث في مسلم، قال: (إلا مسجد الكعبة)، وه?ذا صريح في أن المراد بالمسجد الحرام في مثل ه?ذا الحديث مسجد الكعبة الذي فيه الكعبة، وبأن حديث أبي هريرة ((لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد المسجد الحرام))، فيه رواية في مسلم أيضا ((لا تشد الرحال إلا لثلاثة مسجد الكعبة ومسجدي ه?ذا والمسجد الأقصى))، وصرح بأن المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة.

وه?ذا لو قال قائل: الحديث واحد، نقول: إن كان ه?ذا اللفظ (المسجد الحرام) و (مسجد الكعبة) من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد فسّر قوله بقوله، وإن كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل اللفظين فقد فسّره الصحابي هو أعلم بمدلول كلام الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن لم يكن من تفسير الصحابي فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أحد اللفظين وما دام لا مرجح بينهما فيكون كل واحد منهما مقابلا للآخر ويكونان سواء.

على كل حال ه?ذا الحديث ولا سيما حديث ميمونة لأنه نص في الموضوع يعتبر فيصلا للنزاع، وهو ((صلاة في مسجدي ه?ذا أفضل مما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة)

وعندي أن ه?ذا يكفي عن كل شيء، ومع ذلك لابد من الإجابة على أدلة القائلين جميع الحرم.

يقولون: عندنا أيضا دليل آخر ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام)) فهل تقولون: إنه يجوز للإنسان أن يشد الرحل إلى مسجد الشعث والجدرية وأدنى مسجد في مكة؟

الجواب: ما أظنهم يقولون بذلك، اللهم إلا إن كان التزاما عند المضايقة، لأنه عند المناظرة قد يلتزم الإنسان بما لا يعتقده؛ لكن كما يقال: فك للمشكلة.

فنحن نقول: إذا كنتم لا تجيزون أن تشد الرحال إلى مسجد من مساجد مكة سوى مسجد الكعبة، فما الفرق بين قوله: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام)) وبين قوله: ((صلاتي في مسجدي ه?ذا أفضل من ألف صلاة إلا المسجد الحرام))؟ لا فرق، ثم إن المعنى يقتضيه وهو إنما جاز شد الرحال إلى ه?ذه المساجد لتميزها في الفضل، فإذا قلتم إن الذي تشد إليه الرحل هو مسجد الكعبة فقولوا: إن الذي فيه الفضل هو مسجد الكعبة، وإلا لصار ذلك تناقضا.

أما الجواب عن الأدلة التي استدل بها ه?ؤلاء:

أما قوله تَعَالى?: ?سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا? [الإسراء:01]، فالثابت في الصحيحين أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسري به من الحطيم -حطيم الكعبة- ((بينما أنا نائم في الحطيم أو مضطجع إذ أتاني أتٍ)) وحينئذ يكون الإسراء به من المسجد الحرام الذي هو مسجد الكعبة لاغير.

ورواية بيت أم هانئ إن صحت، فقد جُمع بينها وبين ه?ذا الحديث الصحيح بأنه كان نائما في الأول في بيت أم هانئ ثم جاءه الملك، ثم قام حتى أتى المسجد واضطجع فيه أو نام ثم أُسري به من هناك.

وأما قوله: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا? [التوبة:28]، فهـ?ذا أحرى أن يكون دليلا عليهم لا دليلا لهم؛ لأن الله عز وجل لم يقل: فلا يدخلوا المسجد الحرام؛ بل قال: ?فَلاَ يَقْرَبُواْ? ولا يمكن أن تحولوا الآية إلى الدخول، وإذا قلنا: الآية ?فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ? كان ممنوعا أن يقرب الناس حول حدود الحرم أو أن يقرب المشركون حول حدود الحرم، ومن المعلوم أنكم لا تقولون بذلك، تقولون: إن المشرك يمكن أن يدنو من حدود الحرم إلى مسافة شبر أو أصبع بينما لو أخذنا بالآية وقلنا: المسجد الحرام هو كل الحرم لكان يجب أن يبتعدوا عن حدود الحرم بعدا ينتفي فيه القرب، وها أنتم لا تقولون به، إذن ?فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ? لا يدخلوا حدود الحرم لأنهم إذا دخلوا حدود الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام فامنعوهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير