تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذن ما هو الجواب الذي يكون منضبطا؟ ما فُعل في المسجد النبوي أو المسجد الحرام فهو أفضل من غيره من المساجد بالتفضيل الذي ورد؛ ولكن إذا سُئلنا هل الأفضل أن نفعل النوافل في المسجد أو في البيت نقول: ما شرع في المسجد الصلاة في المسجد كصلاة الكسوف على قول من يرى أنها سنة، وكصلاة تحية المسجد، والصلاة في رمضان كقيام رمضان والاستسقاء إن فعل في المسجد، أما إذا كان تطوعا مطلقا ففي البيت أفضل ولو كان في المساجد الثلاثة.

بقينا في كون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نازلا في الحل وكان يدخل ويصلي في الحرم، فهي من رواية ابن إسحاق -كما قلنا في الشرح- وإذا صح فنحن لا ننكر أن الحرم أفضل من الحل بلا شك، وأن الإنسان إذا كان في الحل وكان الحرم قريبا منه فالأفضل يدخل إلى داخل الحرم، ه?ذا لا إشكال فيه.

وأما كون الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ نزل بالأبطح، فلأنه لا يمكن أن ينزل في المسجد وهم حوالي مائة ألف الذين حجوا معه كيف ينزلون في المسجد، وهو عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لما قيل له عام الفتح: أتنزل غدا في دارك؟ قال: ((وهل ترك لنا عقيل من دار؟)) ليس له دار في مكة حتى ينزل فيها، إذن ليس له منزل إلا ظاهر مكة في الأبطح، والرّسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لا يحب أن يشقّ على أمته في أنه ينزل في كل صلاة من الأبطح إلى المسجد الحرام ليصلي فيه.

ويتبين أن الدين يسر، والأمر ليس بواجب غاية ما هنالك أن فيه فضيلة، وما يحصل من المشقة بالشد والنزول ما أشبه ذلك عليه وعلى أمته الذين معه لاشك أنه عذر في ترك ه?ذه السنة.

فوائد الحديث: الحديث له فوائد عديدة

الفائدة الأولى: التّرغيب في الصلاة في ه?ذا المساجد؛ بل المسجدين؛ لأنه لم يذكر المسجد الثالث وهو الأقصى: مسجد مكة ومسجد المدينة؛ ولكن هل يقال: إن ه?ذا أفضل من الصلاة في البيت؟ أو يقال: ما يشرع ما يكون في البيت فكونه في البيت أفضل؟ الجواب هو الثاني وأظن ذكرناه.

وقلنا: يدل له?ذا أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قال: (صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) هو الذي قال: ((خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة))، وكان هو يصلي النوافل في بيته.

ومن ثمة حمل بعض العلماء ه?ذا الحديث على أنّ المراد بالصلاة هنا الصلاة فريضة -الصلوات الخمسة-؛ لكن ينبغي أن يقال: لا، كل ما فعل في ه?ذه المساجد من صلاة فهو أفضل ما سواه من المساجد الأخرى ويبقى النظر هل هو أفضل في المسجد أو في البيت ه?ذا له أدلة أخرى.

مثلا تحية المسجد في المسجد الحرام خير من مائة ألف تحية مما سواه.

كذلك أيضا لو أن أحدا تقدم إلى المسجد وصلى وصار يتنفل حتى أقيمت الصلاة، فهـ?ذا النفل كان يفعله في انتظار الصلاة خير من مائة ألف صلاة فيما عداه، وفي المسجد النبوي خير من ألف صلاة.

ومن فوائد الحديث أن الأعمال تتفاضل باعتبار المكان، والدلالة فيه واضحة (أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ).

وهل يتناول ه?ذا جميع الأعمال أو هو خاص بالصلاة فقط؟ يرى بعض العلماء أنه خاص بالصلاة فقط، وأن ما عداها من الأعمال والصدقة والصيام وطلب العلم وما أشبه ذلك فلا يحصل فيه ه?ذا الفضل، وإن كان في الحرم أفضل؛ لكنه لا يصل إلى ه?ذا الفضل. وه?ذا هو الصحيح إن لم يوجد أدلة صحيحة عن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ في المفاضلة في بقية الأعمال.

ووجه ذلك أن التفاضل أو إثبات الفضْل في العمل أمر توقيفي لا يتعدّى فيه الشرع، فنقول: الصلاة ورد فيها ه?ذا الفضل وما هداها يتوقف فيها على فإنه يتوقف على ثبوت ذلك على النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وقد أخرج ابن ماجه بسند فيه نظر أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: ((إن من صام رمضان في مكة كان بمائة ألف شهر))، فإن صحّ ه?ذا الحديث ألحقنا به الصيام، وإلا فلا نلحق به شيئا.

الدليل على عدم الإلحاق:

أولا أن إثبات الفضائل للأعمال توقيفي.

ثانيا أن للصلاة شأنا ليس لغيرها من بقية الأعمال، فهي آكد وأفضل أعمال البدن، حتى أن القول الراجح أن تاركها يكون كافرا، وإذا كانت بهـ?ذه الميزة فلا يمكن أن يلحق بها ما دونها إلا بنص.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير