تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن فوائد ه?ذا الحديث إثبات التفاضل في الأعمال، وقد سبق لنا أن الأعمال تتفاضل بحسب المكان والزمان والعامل وجنس العمل ونوع العمل أيضا وكيفيته، كل ه?ذه وجوه للفضائل في الأعمال:

فالمكان هو كما رأيت.

الزمان ?لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) ? [القدر:03]، ((ما من أيام أحب فيها إلى الله من العمل الصالح من ه?ذه الأيام العشر)) يعني عشر ذي الحجة.

العامل ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)).

في كيفية العمل: ?لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً? ()

في جنسه: ((ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه))

في نوعه: الصلاة أفضل من الزكاة والزكاة أفضل من الصيام والصيام أفضل من الحج .. وهكذا.

ومن فوائد ه?ذا الحديث أنه إذا ثبت تفاضل الأعمال لزم من ذلك تفاضل العامل، ثم يلزم منه تفاضل الناس في الإيمان، فيكون في الحديث دليل على أن الإيمان يزيد وينقص، وه?ذا هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ أن الإيمان يزيد وينقص؛ لكن كيف تكون الزيادة، أو بماذا تكون الزيادة؟ هل بالعمل؟ نقول: بكل ما ذكرنا من الأنواع المفاضلة، يزيد بالفرائض أكثر مما يزيد بالنوافل، ومن العجب أن الشيطان يضحك علينا؛ يجعلنا نعتقد أن النافلة أفضل من الفريضة، ولهذا تجد كثيرا من الناس يحسنون النوافل تماما، والفرائض يتساهلون فيها، ه?ذا من الغرائب، تجد مثلا في صلاة النافلة يخشع ويحضر قلبه ويستحضر ما يقول؛ ولكن في الفريضة يتهاون، وه?ذا من البلاء الذي يصاب به الإنسان.

والواجب أن يعلم الإنسان ويعتقد أن صلاته الفريضة أفضل من النافلة، وأنه يجب أن يعتني بالفريضة أكثر من أن يعتني بالنافلة، ولولا محبة الله لها ولولا أهميتها عنده عز وجل ما أوجبها على عباده، فإيجابها على العباد يدل على أنها أحب إلى الله وأنها أولى بالعناية من النافلة.

إذا قال قائل: أيّ ما أفضل المجاورة في مكة أو المجاورة في المدينة؟

اختلف فيها ه?ذا أهل العلم:

فمنهم من إن المجاورة في مكة أفضل، لأن مكة أفضل من المدينة بلا شك، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في مكة: ((إنك لأحب البقاع إلى الله ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت))، وه?ذا واضح صريح، وأما ما يرويه بعض الناس أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال في مكة ((أحب البقاع إلى الله)) وفي المدينة ((أحب البقاع إلي)) فهـ?ذا غير صحيح.

وقال بعض أهل العلم: إن المجاورة في المدينة أفضل لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حث على السكنى فيها وقال: ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)).

وقال بعض أهل العلم المجاورة في مكان يقوى فيه إيمانه وتكثر فيه تقواه أفضل من أي مكان، أي مكان يكون أنفع وأقوى إيمانا وأكثر تقوى لله عز وجل فهو أفضل، وه?ذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إذا فرضنا أن الشخص في مكة يضعف إيمانه وتقواه ويقل نفعه، فليخرج، كما فعل الصحابة. الصحابة ذهبوا إلى الشام وإلى الكوفة والبصرة وإلى مصر يلتمسون ما هو أفضل وأنفع للعباد، وسكنوا هناك، وصاروا يعلمون الناس ويدرسونهم العلم، وتركوا المدينة ومكة أيضا، وه?ذا القول أصح؛ لكن لو فرضنا أن الإنسان يتساوى عنده البقاء في مكان وفي مكة والمدينة قلنا: في مكة والمدينة أفضل بلا شك.

أما المفاضلة بين مكة والمدينة في عندي حل توقف بالنسبة للمجاورة، أما بالنسبة لفضل مكة فلاشك أن مكة أفضل.

يتفرع على تفاضل مكة والمدينة هل تتضاعف السيئات في مكة والمدينة؟

الجواب: أما بالكمية فلا، وأما بالكيفية فنعم، العقوبات على السيئات في مكة أعظم من العقوبات على السيئات في غيرها، وفي المدينة أعظم أيضا، ودليل ذلك قوله تَعَالى?: ?مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (160) ? [الأنعام:156]، وه?ذه الآية في الأنعام مكية، وبهذا نعرف بطلان ما يذكر عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنه قال: لا أسكن في بلد حسناته وسيئاته سواء. لما قيل له: أتسكن في مكة؟ فإن ه?ذا لا يصح عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، وابن عباس أفقه وأعلم من أن يقول مثل ه?ذا الكلام.

انتهى هذا الباب ويليه الباب الأخير:

بَابُ اَلْفَوَاتِ وَالإِحْصَارِ

ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[29 - 11 - 07, 08:08 م]ـ

بَابُ اَلْفَوَاتِ وَالإِحْصَارِ

[الشرح]

(اَلْفَوَاتِ) اسم مصدر لٍـ: فَاتَ يَفُوتُ، والمصدر: فَوْتًا. واسم المصدر فوات، فالفوت هو السبق الذي لا يُدرك، فإذا سبقك إنسان ولم تدركه تقول: فاتني، ه?ذا هو الفوت.

أما في الاصطلاح: فـ (الفوات) طلوع فجر يوم النحر قبل أن يقف الحاج بعرفة، ه?ذا الفوات في الاصطلاح؛ يعني لو أن أحدا أحرم بالحج واتّجه إلى المشاعر وطلع الفجر عليه قبل أن يصل إلى عرفة فهـ?ذا هو الفوات، نقول: ه?ذا الرجل فاته الحج. ودليل ذلك قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الحج عرفة))، فإنه يدلّ على أن من فاته الوقوف فاته الحج، ه?ذا الفوات.

(الإِحْصَارِ) في اللغة المنع، يقال: حصر، ويُقال: أحصره، في القرآن ?فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ? [البقرة:196]، وفيه أيضا ?لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ? [البقرة:273] أي منعوا، الإحصار في اللغة المنع.

وفي الاصطلاح منع الناسك من إتمام نسكه، وهل يشترط أن يكون بعدو أو بأي مانع يكون؟ فيه خلاف بين أهل العلم:

منهم من قال: إنه يشترط أن يكون إحصار بعدو، وأنه لا إحصار بغير عدو.

ومنهم من قال: إنه عام في العدو وفي غيره؛ لأن الإنسان قد يُحصره عدو أو قد يحصره وقد يحصره مرض أو كسر أو ضياع ... أو ما أشبه ذلك.

فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه يشترط أن يكون الإحصار بعدو، فمن حصر بغير عدو لا يكون له حكم المحصر.

ومنهم من قال: إنه عام، وه?ذا هو الصحيح أنه عام، يشمل من أحصر بعدو ومرض أو ضياع أو ما أشبه ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير