تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[29 - 11 - 07, 08:12 م]ـ

[الحديث الرابع والستون]

عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ, وَنَحَرَ هَدْيَهُ, حَتَّى اِعْتَمَرَ عَامًا قَابِلاً. رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.

[الشرح]

(قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أي مُنع من الوصول إلى البيت وذلك في عام الحديبية حين منعه المشركون من أن يتمم عمرته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، لماذا منعوه؟

قالوا: لا يتحدّث العرب أننا أُخذنا ضغطة، يعني أنك دخلت قهرا علينا، فصار ه?ذا المنع حمية الجاهلية كما قال تَعَالى?: ?إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ? [الفتح:26]، إلى آخر الآية، منعوا الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أن يؤدي العمرة وهم والله أحق أن يمنعوا من البيت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الله يقول: ?وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ? [الأنفال:34]، ولكن لله تَعَالى? في قضائه وقدره حكم عظيمة، فهم منعوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(فَحَلَقَ رأسه وَجَامَعَ نِسَاءَهُ, وَنَحَرَ هَدْيَهُ, حَتَّى اِعْتَمَرَ عَامًا قَابِلاً) ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أتى بهـ?ذه الأفعال مرتبة بالواو، والمراد بها مطلق الجمع، فمثلا (فَحَلَقَ رأسه وَجَامَعَ نِسَاءَهُ, وَنَحَرَ هَدْيَهُ) فيه اختلاف في الترتيب بحسب الواقع؛ لأن الواقع أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحر أولا ثم حلق ثانيا ثم تحلل تحللا كاملا وجامع أهله، وإذا نظرنا إلى الحديث لكان فيه اختلاف؛ حلق رأسه ثم بعد ذلك جامع نساءه ونحر، والواقع أنه نحر ثم حلق ثم جامع؛ لكن الواو لا تقتضي الترتيب.

ومراد ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحلل بعد ه?ذا الإحصار تحللا كاملا والدليل على أنه تحللٌ كامل قال: (وَجَامَعَ نِسَاءَهُ).

قال: (حَتَّى اِعْتَمَرَ عَامًا قَابِلاً) من العام الثاني اعتمر عمرة تسمى عمرة القضاء؛ بمعنى القضيّة يعني عمرة المقاضاة، وليست قضاء للعمرة التي أحصر منها؛ لأن العمرة التي أحصر منها كتبت كاملة، ولهذا قال: إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتمر أربع عمر منها العمرة التي صد عنها، فهو اعتمر كاملا؛ لكن الثانية عمرة بحسب المقاضاة التي صارت بين وبين قريش.

في ه?ذا الحديث دليل على أن الحصر يكون في العمرة، وهو كذلك، ويدل عليه أيضا القرآن ?وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ? [البقرة:196]، وفيه أيضا أنه يُشرع الحلق لقوله: (فَحَلَقَ رأسه)؛ ولكن هل يجب؟ الصحيح أنه يجب، الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر علينا في حديث المسور بن مخرمة حلق رأسه وأمر أصحابه، ولما تأخروا قليلا غضب عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، فيجب عند الإحصار الحلق.

(وَنَحَرَ) هل يجب النحر؟ نعم، يجب النحر؛ لكن إن كان قد ساق الهدي نحر هديه كله الذي ساقه، فإن لم يسق فالواجب عليه أدنى ما يسمى هديا، لقوله تَعَالى?: ?فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ? [البقرة:196].

ومن فوائده أن المحصر يعتمر من السنة القابلة أو من الشهر القابل، المهم أنه إن زال الإحصار اعتمر، وهل ه?ذه العمرة قضاء للعمرة السابقة أو لا؟ في ه?ذا خلاف بين أهل العلم:

فمن العلماء من قال: إن المحصر يجب عليه القضاء إذا زال إحصاره. وهل يقضي من مكان الإحصار أو يستأنف نسكا جديدا؟ نقول: يستأنف نسكا جديدا؛ لأن النسك لا يتجزأ، فإن ه?ذا الرجل حل وانتهى وجامع وفعل جميع المحظورات فكيف يبني على ما سبق.

يعني يجب عليه أن يقضي سواء كان الذي أحصر عنه هو الفريضة أو كان تطوعا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير