تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حجتهم في ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى العمرة التي أحصر عنها، وه?ذا استدلال بالأثر، قالوا: والأصل أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة أمته: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ? [الأحزاب:21]، وقد قضى ما أحصر عنه فلنقض.

وقالوا أيضا: لنا دليل نظري وهو أن النسك من حج أو عمرة إذا شرع الإنسان فيه وجب عليه إتمامه ولو كان نفلا، فإن كان وجب عليه إتمامه وجب عليه قضاؤه إذا أُحصر عنه، وصار فائدة الحصر أنه يتحلل ويترخص ويذهب، ه?ذا فائدة الحصر، أما براءة ذمته به فلا، فلابد أن يقضي.

واستدلوا أيضا بأن العمرة التي أتى بها الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ تسمى عمرة القضاء، والأصل أن القضاء لما فات، كما تقول إذا خرج وقت الصلاة: قضاء، وكما تقول إذا أفطر رجل في رمضان: إنه يقضي. كما قالت عائشة: فما أستطيع أن اقضيه إلا في شعبان.

وقال بعض أهل العلم: إنه إذا أحصر عن النسك لا يلزمه القضاء إلا إذا كان ه?ذا النسك واجبا، مثل أن يكون فريضة الإسلام أو يكون واجبا بنذر، فإنه يلزمه قضاء إذا أحصر عنه؛ لأن ذمته لم تزل مشغولة بهـ?ذا الواجب حتى يتمه.

أما إذا كان تطوعا فإنه لا يلزمه القضاء، واستدلوا بأثر ونظر:

أما الأثر فقالوا: إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أمر أصحابه أن يحلوا أمرهم أن يحلوا لم يأت عنه حرف واحد يقول: واقضوا من العام القادم. () ولو كان واجبا لبينه لهم؛ لأن يجوز أن بعضهم يذهب إلى بعض أهله ولا يلتقي بالنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ. وأما أهل المدينة فقد يقال: يعلهم بعد ذلك، ولكن ليسوا كلهم من أهل المدينة قد يكون بعضهم يذهب إلى أهله ولا يعلم بأن القضاء واجب، فلما لم يبلغهم الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أنه واجب عُلم بأنه ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لوجب على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبلغهم.

ثانيا أن الذين قضوا العمرة من العام القابل -كما قال الشافعي وغيره- لم يكونوا جميعا الذين حضروا صلح الحديبية؛ بل كانوا أقل، الذين حضروا صلح الحديبية كانوا ألفا وأربع مائة والذين قضوا العمرة دون ذلك، وه?ذا يدل على أن القضاء ليس بواجب، إذْ لو كان واجبا لحضر كل من كان معه في الحديبية.

واستدلوا بالنظر قالوا: لأن ه?ذا واجب تعذر عليه إتمامه، -قصدي أن التطوع بالحج والعمرة يجب إتمامه- لكن ه?ذا واجب عجز عنه، والقاعدة الشرعية أن الواجبات تسقط بالعجز، فيكون ه?ذا الذي أحصر سقط عنه وجوب الإتمام بالعجز عنه.

فنرجع الآن لما سقط وجوب الإتمام بالعجز نرجع إلى الأصل أنه تطوع الذي شرع فيه أو واجب؟ أنه تطوع، فنقول: لاشك أن الأفضل أن تأتي به لكنه ليس بواجب، ولهذا أتى به الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أما أن نوجبه، وه?ذا الرجل إنما ترك الإتمام لعجزه عنه، فإننا لا نوجبه عليه، وه?ذا هو الحق، وهو الصحيح وأنه لا قضاء عليه؛ ولكن إذا كان ه?ذا الشيء واجبا كما قلنا فإنه يجب عليه القضاء لأنه مطالب به بالدليل الأول.

بماذا نجيب عن الذين أوجبوا القضاء؟

نقول: قولكم: إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله والأصل أنه أسوة، نقول عن القاعدة المعروفة عند العلماء أن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب، ونحن نوافقكم أن الأفضل أن نأتي به، لكن الوجوب شيء والأفضل شيء آخر، ه?ذا واحد.

نقول: ه?ذا من المقاضاة أو القضية وليس من باب القضاء المعروف عند الفقهاء.

المهم الآن أننا فهمنا الفرق بينهما الفرق بينهما يظهر بالتعرف الإحصار منع الناسك من نسكه والفوات طلوع فجر يوم النحر على الحاج قبل أن يقف بعرفة.

سبق أننا بحثنا هل الإحصار خاص بالعدو أو عام وقلنا: فيه قولان لأهل العلم، والراجح العموم وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ أنه عام، لعموم قوله تَعَالى?: ?وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ? [البقرة:196]، فمعنى ?أُحْصِرْتُمْ? منعتم عن إتمامهما الذي أمرناكم به ?فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ? ثم قال: ?فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ? [البقرة:196].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير