فيرى بعض العلماء إلى أنه خاص بالعدو لقوله: ?فَإِذَا أَمِنتُمْ ? لأن ه?ذه تدل على أن الإحصار كان بخوف.
ومنهم من قال: إن ذكر حكم يتعلق بفرد من أفراد العام لا يدل على الخصوص، وه?ذا له نظائر:
منها قوله تَعَالى?: ?وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ? إلى أن قال: ?وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ? [البقرة:228]، فهل نقول: إن قوله: ?وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ? يدل على المراد بالمطلقات الرّجعيات دون البوائن، جمهور أهل العلم على خلاف ه?ذا؛ على أن المطلقات يعم كل مطلقة الرجعية والبائنة.
وكذلك قول جابر: قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
فهنا عموم وهنا عود الحكم على بعض أفراد العموم، أو تفريع الحكم على بعض أفراد العموم؛ أي العموم: قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشعفة في كل ما لم يقسم.
الشفعة: إذا باع الإنسان نصيبه من شيء مشترك بينه وبين غيره فإن لشريكه أن يشفِّع؛ أن يأخذ نصيب شريكه من الذي اشتراه بثمنه.
بيني وبينك سيارة أنصافا فبعت نصيبي على فلان، فلك أنت أن تأخذ بالشفعة ما بعته على فلان بثمنه غصبا على فلان، ه?ذه الشفعة.
قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما لم يقسم، يعم كل شيء: الكتاب، السيارة، المسجل، الأرض، العقار، النخل .. كل شيء. ثم قال بنص الحديث: فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. ه?ذا التفريع خاص بما إذا كان المشترك عقارا، هل نقول: إن العموم يخصص بهـ?ذا الفرع أو بهـ?ذا التفريع أو لا؟ خلاف بين العلماء.
على كل حال في الآية الكريم ?فَإِذَا أَمِنتُمْ? تفريع على فرد من أفراد قوله: ?فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ? فهل نجعل الإحصار هنا عاما أو خاصا بسبب ه?ذا الحكم الذي فرع؟ الصحيح أنه عام، فإذا أحصر الإنسان عن إتمام النسك فإن عليه ما ذكره الله عز وجل ما استيسر من الهدي وما ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوب الحلق.
الفوات، إذا حصل الفوات؛ رجل أحرم بالحج وصار من الميقات؛ ولكنه تعطلت سيارته، أو انكسرت راحلته، أو ضل الطريق، أو صار عنده خطأ في الشهر ظن أنه دخل يوم السبت وهو دخل يوم الجمعة هو يظن أن يوم عرفة يوم الأحد؛ لأنه يظن أن الشهر دخل يوم السبت، فيكون يوم عرفة يوم الأحد؛ لكن ثبت أن الشهر دخل يوم الجمعة فيكون يوم عرفة يوم السبت، ه?ذا الرجل بنى على أن يوم عرفة هو يوم الأحد وصار الهوينة، فلما جاء المشاعر وجد أن الأمر على خلاف ما ظن، وأن الوقوف قد فاته، متى مكان آخر الوقوف؟ صباح بوم يوم الأحد وهو يظن أنه صباح يوم الاثنين.
إذن نقول له?ذا الرجل: فاتك الحج؛ ولكن ماذا يصنع؟ يحوِّل ه?ذا الحج إلى عمرة، فيذهب إلى مكة يطوف ويسعى ويقصر؛ لأنه ليس بإمكانه إتمام الحج الآن، فإن الحج هو عرفة.
وقال بعض أهل العلم: بل ينقلب إحرامه عمرة؛ يعني لا يحتاج أن يتحلل بعمرة؛ بل ينقلب تلقائيا عمرة حتى ولو اختار أن يبقى على حجه إلى السنة الثانية فإنه يكون قد انقلب إحرامه عمرة.
ولكن إذا اختار أن يبقى على إحرامه للسنة الثانية يبقى أو لا؟ نعم يبقى، لكني لا أظن أن أحدا يختار البقاء على إحرامه إلى السنة الثانية، يتجنب كل محظورات الإحرام يتجنبها، وه?ذا فيه صعوبة جدا؛ يعني لا يلبس المخيط إن كان رجلا، ولا يتطيب ولا يحلق رأسه، ولا يصيد .. كل المحظورات، المهم لا أظن أن أحدا يختار أن يبقى على إحرامه عاما كاملا.
ومع ذلك العلماء يقولون: إذا أحب أن يبقى على إحرامه فله أن يبقى.
إذن ماذا يفعل من فاته الحج؟ يتحلل بعمرة يحول إحرامه بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر وينتهي.
هل يلزمه القضاء؟ نقول: يلزمه القضاء إن كان ه?ذا هو الواجب، وإن كان تطوعا لم يلزمه؛ لأن ه?ذا حصل بغير اختياره، فإن كان هو الذي اختار أو تهاون حتى فاته الحج هنا يتوجه أن يقال بوجوب القضاء، وإن كان نفلا؛ لأن الحج والعمرة من خصائصهما من أحرم بهما لزمه الإتمام، وه?ذا هو الذي فرّط فيلزمه القضاء.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[29 - 11 - 07, 08:15 م]ـ
[الحديث الخامس والستون]
¥