"عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ قُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى فِى الْغَزْوِ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِى شَهَادَةً. قَالَ (قِرِّى فِى بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ). قَالَ فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةَ. قَالَ وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَتَّخِذَ فِى دَارِهَا مُؤَذِّنًا فَأَذِنَ لَهَا قَالَ وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلاَمًا لَهَا وَجَارِيَةً فَقَامَا إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ وَذَهَبَا فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقَامَ فِى النَّاسِ فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ أَوْ مَنْ رَآهُمَا فَلْيَجِئْ بِهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ" [23]
أقول: الحديث حسن ورواه ابن خزيمة أيضاً بسند حسن. وفي رواية أخرى لأبي داود قال راوي الحديث: عبد الرحمن بن خلاد: "فَأَنَا رَأَيْتُ مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا" [24]
وفي سنن الدراقطني: "حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَذِنَ لَهَا أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا وَيُقَامَ وَتَؤُمَّ نِسَاءَهَا" [25]
نلاحظ أن في هذه الرواية نصاً على (وتؤم نساءها) أي أنها فسرت لنا الرواية الأخرى التي في سنن أبي داود وغيره (وأمرها أن تؤم أهل دارها) [26]
إذن تعلقهم بإمامة هذا الشيخ الكبير الذي أذن لها بأنه صلى وراءها تعلق ضعيف! وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر لها بامرأة تؤذن
لها وهي تردد كلمات شرعية محضة فهل يجيز لها أن تؤم الرجال وهي تجهر بقراءة القرآن؟!. فهذا الحديث لا تنهض به حجة من يقول بإمامة المرأة للرجال لما فيه من الاحتمال طبقاً للقاعدة الأصولية التي اعتمدها متأخروا فقهاء المذاهب الإسلامية (ما تطرق به الاحتمال بطل به الاستدلال).
أما من فسر حديث أم ورقة بجواز إمامتها للرجل في النفل والتراويح دون الفرائض فلا وجه لتخصيصه لما ورد في رواية أخرى (تؤمهم في الفريضة) كما في سنن البيهقي: " وَأَمَرَ أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا وَيُقَامَ وَتَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا فِى الْفَرَائِضِ" [27]
وكما هو معلوم فالأذان لا يكون إلا للفرائض.
أقول: فهذا الحديث هو عمدة ما استند عليه من يقول بإمامة المرأة للنساء والرجال وسبب ذلك أنهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم عين لها رجلاً يؤذن لها وكانت تؤمه مع أهل دارها إذن يصح لها أن تؤم الرجال وتخطب الجمعة أيضاً كما ذكر من زينوا للمرأة الأمريكية التي تدعى (أمينة ودود) بجواز إمامتها للرجال في الصلاة وجواز أدائها خطبة الجمعة.
مناقشة هذا الرأي:
نلاحظ أن الحديث لم يذكر لنا أن الرجل كان من أهلها أم لا؟ إذن فلعله من غيرأهلها؟ أو أنه كان يؤذن لها ثم يذهب ليصلي مع الصحابة في المسجد لأنه كان يؤذن لإعلامها بأوقات الصلاة أو أنه كان شيخاً كبيراً مقعداً فكان يصلي وحده بعد أن تنتهي أو يصلي وراءها على رأي من قال إنه كان من أهلها، ولم يكن يحسن قراءة القرآن مثلها فكانت هي أولى بالإمامة لأنها اقرأ منه وهو من محارمها على قول من يرى صحة إمامة المرأة لأهل دارها. وهو استثناء لا يجوز التوسع فيه لأن الأصل أن الإمامة في الصلاة للرجال للأدلة التي سنذكرها فيما بعد. ظ
(2): الدليل الثاني:
استنادهم إلى قول أبي ثور والمزني والطبري بجواز إمامة المرأة للرجال:
مناقشة هذا الرأي: لا يوجد كتاب مستقل لأبي ثور ولا للطبري مدون فيه هذا الرأي بل إن القائلين بهذا الرأي اعتمدوا على قول أبي ثور والطبري من خلال ما ذكره ابن رشد وابن قدامة وبعض الفقهاء من باب الأمانة العلمية لبعض الآراء الشاذة المنسوبة إلى أبي ثور والطبري وغيره. هذا ما سنبينه من خلال نقل بعض أقوال الفقهاء:
¥