ـ[طالب العلم عبدالله]ــــــــ[05 - 01 - 07, 08:48 م]ـ
المطلب الأول: معنى قاعدة المشقة تجلب التيسير:
من حيث اللغة:
المَشَقَّةُ: الجهد والعناء، ومنه قوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (النحل:7)،وأصله من الشّق::نصف الشيء، كأنه قد ذهب نصف أنفسكم حتى بلغتموه، وشَقَّ علي الأمر أي: ثقل علي، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أَشُقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسِواكِ عِند كلِ صلاة) (1)؛ والمعنى: لولا أن أثقل على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، وفي حديث أم زرع:" وجدني في أهل غُنَيمة بِشَقّ " (2)،والشَّقّ: الفصل في الشيء، كأنها أرادت أنهم في موضع حَرج ضيق كالشَّقّ في الجَبَل. (3)
أما تَجلِب: فهي من الجَلْبُ وهو: سوق الشيء من موضع إلى آخر، واسْتَجْلَبَ الشيء: طلب أن يُجْلَبَ إليه. والجَلائِب: مايُجلب للبيع من كل شيء، وقيل الجَلائِب: الإبل التي تُجْلَب إلى الرجل النازل على الماء ليس له ما يَحْتَمِل عليه فيحملونه عليها. (4)
ـــــــــــــــ
1 - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة:1/ 303.
2 - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: النكاح، باب: حسن المعاشرة مع الأهل:5/ 1988.
3 - ابن الأثير، النهاية:487،الرازي، مختار الصحاح:343،ابن منظور، لسان العرب:7/ 166.
4 - ابن الأثير، النهاية:158،ابن منظور، لسان العرب:2/ 312.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والتيسير: من اليُسْر: وهو ضد العُسر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يُسْرٌ) (1)،وأراد بذلك صلى الله عليه وسلم أنه سهل سمح قليل التشديد. (2)
والمراد بجلب المشقة للتيسير: أن المشقة سبب للتيسير، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (الانشراح:5 - 6)، لذلك قال الشاعر (3):
إذا اشَتد بك العُسرُ فَفَكر في "ألم نَشْرَح"
فعُسرٌ بين يُسرَينِ إذا أبصَرتَهُ فَافرَح
ويكون بذلك معنى القاعدة:
أ- في ما يخص الشرع: أن الصعوبة والعناء التي يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي تصير سببا شرعيا صحيحا للتسهيل والتخفيف عنه بوجه ما. (4)
والمراد بالمشقة الجالبة للتيسير: المشقة التي تنفك عنها التكليفات الشرعية. أما المشقة التي لاتنفك عنها التكليفات الشرعية كمشقة الجهاد
ــــــــــــــ
1 - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: الدين يسر:1/ 23.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 - [واليسُْر]:بسكون السين وضمها ضد العسر، ينظر: مختار الصحاح، الرازي:742،النهاية، لاب الأثير:1025،لسان العرب، لابن منظور:15/ 445.
3 - ابن الجوزي، زاد المسير:1565.
4 - حيدر، درر الحكام شرح مجلة الأحكام:1/ 33،الزرقا، شرح القواعد الفقهية، وهبة الزحيلي، الضرورة الشرعية:196،محمد الروقي، القواعد الفقهية من خلال كتاب الإشراف للقاضي عبدالوهاب:292، يعقوب الباحسين، قاعدة المشقة تجلب التيسير:26.
وألم الحدود، ورجم الزناة، وقتل البغاة والمفسدين والجناة، فلا أثر لها في جلب تيسيرولاتخفيف. (1)
ب- في ما يخص الحياة (بشكل عام): مما يلاحظ أن المشقة سبب قوي للتيسر في هذا الكون، أي أن هذه القاعدة كونية فهي تشمل كل نواحي الحياة،ونجد أن لها وجوداً في حياة كل الناس.
* وقد اعتاد الفقهاء على التعريف بقاعدة المشقة تجلب التيسير من حيث كونها قاعدة شرعية، ولم يتطرقوا على حد علمي إلى محاولة التعريف بها كقاعدة كونية، وهذا طبيعي لأنهم يتكلمون في حدود تخصصهم، ولكني احتجت إلى التعريف بهذه القاعدة من حيث كونها كونية لبيان مكانتها الحقيقية، والتأكيد على بعض وجهات النظر التي أتبناها فيما يخص القاعدة بشكل خاص والقواعد الفقهية الكلية بشكل عام، وفيما يلي سيأتي مايدل على كون قاعدة المشقة تجلب التيسير كونية من خلال بيان مستند هذه القاعدة من القرآن الكريم والسنة المشرفة.
ـ[طالب العلم عبدالله]ــــــــ[05 - 01 - 07, 08:50 م]ـ
المطلب الثاني: الأدلة على قاعدة المشقة تجلب التيسير:
* الأدلة من القرآن الكريم:
أ - من الأدلة الدالة على أن قاعدة المشقة تجلب التيسير قاعدة شرعية
¥