تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و تلك الضوابط، و إن لم تتضح معالمها، إلا أن الباحث يجزم أن فهوم أولئك الأئمة و اجتهادا تهم، لم تكن عن عبث أو هوى، و إنما كانت ثمرة لما استضاء به ذهن الفقيه، و ملكته الواعية المدركة، و إن كان ذلك لم يخرج إلى حيز الواقع على شكل قواعد مدونة. [4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn4)

و إنما كانت شذرات موزعة و مصطلحات متداولة على ألسن الفقهاء، إلى أن جاء الشافعي فكتب كتابه الرسالة. و هو أول كتاب ضم مباحث أصول الفقه في إطار نظري ناظم. فنشأ بذلك علم أصول الفقه. قال ابن خلدون في مقدمته:" و اعلم أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملة، و كان السلف في غنية عنه بما أن استفادة المعاني من الألفاظ لا يحتاج فيها إلى أزيد مما عندهم من الملكات اللسانية، و أما القوانين التي يحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصا فمنهم أخذ معظمها .. فلما اقرض السلف و ذهب الصدر الأول و انقلبت العلوم كلها صناعة .. و احتاج الفقهاء و المجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين و القواعد لاستفادة الأحكام من الأدلة، فكتبوها فنا برأسه أسموه أصول الفقه". [5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn5)

و الشافعي أول من دون أصول الفقه بمنهجية ناضجة في إطار نظري ناظم و كان ذلك في كتابه الرسالة. أما سبب تأليف "الرسالة" فهو سؤال عبد الرحمن بن مهدي للشافعي أن يكتب له كتاب فيه معاني القرآن و يجمع قبول الأخبار و الناسخ و المنسوخ .. كان هذا السبب المباشر في التأليف، لكن ما هو السبب الحقيقي لسؤال عبد الرحمن بن مهدي و هو المحدث للشافعي الفقيه؟ فيسأله عن البيان، و قبول الأخبار و الناسخ و المنسوخ ... السبب الحقيقي هو الخوف من ضياع اللسان العربي بدخول العجمة خاصة بعد إسلام الفرس و امتزاجهم بالعرب. فالسبب إذن حاجة حضارية لضبط فهم الكتاب العزيز الذي نزل بلسان عربي مبين، والغالب على كتاب الرسالة هو المباحث اللغوية، و قد أطال الإمام الشافعي – رحمه الله – في حديثه عن البيان.

فرقعة الإسلام قد اتسعت، و دخلت أقوام جدد في الإسلام، لسانها غير عربي، و المسائل الفقهية كثرت و كذلك الحوادث و النوازل، و الناس في ذلك تهرع إلى الفقهاء لكي يجيبوا عن هذه التساؤلات. فاحتاج الفقهاء كذلك إلى قواعد و ضوابط في فهم النصوص الشرعية و الاستنباط منها. و قد كانت القواعد الأصولية اللغوية عصب علم الأصول منذ البداية، تلبية للحاجة الحضارية للأمة آنذاك، و التي كانت حاجة بيانية بالأساس.

لكن تطور العالم الإسلامي و انفتاحه على حضارات و ثقافات أخرى، فتح الباب أمام تحد حضاري جديد، إذ وجد الفكر الإسلامي نفسه أمام عقل حجاجي يعتمد الجدال، و ظهر هذا مع الانفتاح على الروم و الثقافة البزنطية التي تعتمد المنطق الأرسطي. فانتقلت حاجة الفكر الإسلامي من الحاجة البيانية إلى الحاجة الحجاجية الجدالية. و استجابة لهذه الحاجة عرف علم الأصول عامة منعطفا جديدا حيث امتزج بعلم المنطق، و قد تجلى ذلك أساسا في كتابات إمام الحرمين الجويني، و حجة الإسلام الإمام الغزالي، خاصة كتابيهما: البرهان و المستصفى، وقد امتدت المرحلة المنطقية الجدلية الموغلة في الحدود و التعريفات و الماهيات من القرن الخامس إلى القرن الثامن الهجري.

بعد ذلك عرف علم الأصول تطورا جديدا مع الإمام الشاطبي، العالم المجدد، الذي أعاد النظر في علم أصول الفقه، بعد أن صار في زمانه علما عقيما لا ينتج، و لا ينبني تحته عمل، و ذلك بفعل إيغاله في المباحث المنطقية الصورية.

فأراد الإمام الشاطبي – رحمه الله – أن يعيد أصول الفقه إلى وظيفته الحقيقية و هي إنتاج الفقه، بعد أن صار عقيما. فيكون مرجعا للفقيه في استنباط الأحكام و بيان معاني القرآن. و آلة لضبط الفهم و منعه من الانحراف. [6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn6)

و في عصرنا الحالي هناك دعاوى إلى تجديد أصول الفقه. ويمكن أن نجملها في رأيين أو تيارين:

الأول: و يقصد بالتجديد، إحداث قضايا و مباحث جديدة في أصول الفقه، ليكون مواكبا للعصر و متطلباته.

الثاني: و يقصد بالتجديد، إرجاع فاعلية أصول الفقه التي كانت له من قبل و إعادة بعثه من جديد للقيام بدوره في ضبط الفهم عن الله و توجيه الاستنباط.

[1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref1) تفسير النصوص لمحمد أديب صالح ص 90/ 91

[2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref2) منهج الأصوليين في وضع الدلالة اللفظية الوضعية ص 26

[3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref3) نفس المرجع السابق ص26

[4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref4) تفسير النصوص ص 93

[5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref5) مقدمة ابن خلدون

[6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref6) هذه الأفكار و التي سبقتها مأخوذة من كتاب المصطلح الأصولي للدكتور فريد الأنصاري خاصة مبحث المراحل التي مر بها أصول الفقه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير