إلى التمسك بهديهم، والجري على منهاجهم، والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم فقال: ? ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ? الآية، ووجدنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد حض على التبليغ عنه في أخبار كثيرة، ووجدناه يخاطب أصحابه فيها منها:
أن دعا لهم فقال: " نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتى يبلغها غيره " وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في خطبته: " فليبلغ الشاهد منكم الغائب " وقال: " بلغوا عني ولو آية وحدثوا عني ولا حرج " _ كذا قال وفي البخاري وحدثوا عن بني إسرائيل _ ثم تفرقت الصحابة رضي الله عنهم في النواحي والأمصار والثغور، وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام فبث كل واحد منهم في ناحية وبالبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وحكموا بحكم الله عز وجل وأمضوا الأمور على ما سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن نظائرها من المسائل وجردوا أنفسهم مع تقدمه حسن النية والقربة إلى الله تقدس اسمه لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام حتى قبضهم الله عز وجل رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين) مقدمة الجرح والتعديل (1/ 7 – 8)
الثاني: البحث في قول الصحابي مسألة متعلقة بالفقه وأصوله وليست مسألة عقدية:
ينبغي أن يعلم أن البحث في حجية قول الصحابي هو من مباحث أصول الفقه والفقه وليس من مسائل العقيدة؛ لأن الكلام فيها هو في باب الأحكام الفقهية والفتاوى وذلك لاتفاق أهل العلم على حجية قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه كالعقائد والمغيبات وبالتالي فليست المسألة مما يقال فيها قول السلف وقول من خالف السلف، ويدل لذلك كما سيأتي أن مالكاً والشافعي وأحمد لهم في حجيته وعدمه قولان وعليه فلا يصح أن يقال من قال قول الصحابي لا يحتج به فقد خالف السلف؛ لأن لازم هذا أن يكون مالك والشافعي وأحمد قد خالفوا السلف في هذه المسألة.
كما ينبغي أن يعلم أن مسلك الصحابة في فهم نصوص الكتاب والسنة وطريقتهم في إتباع النصوص وعدم تجاوزها وتأويلها بخلاف المراد منها وتركهم للبدع والأهواء والخصومات في الدين كل هذا واجب الاتباع وليس هو المراد في البحث هنا.
قال أحمد _ رحمه الله _: (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات، وترك الجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين)
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[23 - 05 - 07, 05:17 ص]ـ
الثالث: آراء الأئمة الأربعة في قول الصحابي:
أولاً: الإمام أبو حنيفة رحمه الله:
1 - قال – رحمه الله -: (إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات عن الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من شئت ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب … فلي أن أجتهد كما اجتهدوا) الصيمري في كتاب أخبار أبي حنيفة (10)
2 - وقال أيضاً: (ما بلغني عن صحابي أنه أفتى به فأقلده ولا أستجيز خلافه) شرح أدب القاضي (1/ 185 – 187)
3 - وقال أيضاً: (من كان من أئمة التابعين وأفتى في زمن الصحابة وزاحمهم في الفتوى و سوغوا له الاجتهاد، فأنا أقلده، مثل شريح، و الحسن، ومسروق بن الأجدع، وعلقمة) ذم الكلام وأهله (5/ 207)
4 - وعن أبي يوسف قال: (سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن الثقات أخذنا به، فإذا جاء عن أصحابه لم نخرج عن أقاويلهم، فإذا جاء عن التابعين زاحمتهم) أخبار أبي حنيفة (10 – 11)
5 – قال الفضيل بن عياض: (كان إذا وردت عليه مسألة فيها حديث صحيح اتبعه، و إن كان عن الصحابة والتابعين، وإلا قاس وأحسن القياس) تاريخ بغداد (13/ 339 – 340)
¥