2 - قال الربيع بن سليمان:- (قال الشافعي: لا يكون أن تقول إلا عن أصل، أو قياس على أصل، والأصل: كتاب أو سنة، أو قول بعض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أو إجماع الناس)
القول الثاني: الجديد وهو القول بعدم حجية قول الصحابي وقد اختلف في نسبة هذا القول للشافعي رحمه الله وأكثر أتباعه ينقلون عنه ذلك.
ونقل بعض الشافعية عنه أنه يرى أن قول الصحابي حجة إذا انضم إليه القياس وهو ما نسبه إليه القاضي الباقلاني وابن القطان والقفال الشاشي والمزني وابن فورك وأبو بكر الصيرفي وغيرهم، وحاصل هذا القول كما سيأتي أن قول الصحابي ليس بحجة؛ لأن القياس وحده حجة فأكثر ما يقال فيه هنا أن يكون مرجحاً على تأويل بعض الشافعية ان المراد إذا تقابل قياسان أحدهما يوافق قول الصحابي قدم القياس الموافق لقول الصحابي.
قال رحمه الله في الرسالة (ص 596): (قد سمعت قولك في الإجماع والقياس بعد قولك في حكم كتاب الله وسنة رسوله أرأيت أقاويل أصحاب رسول الله إذا تفرقوا فيها؟
فقلت: نصير منها إلى ما وافق الكتاب أو السنة أو الإجماع أو كان أصحَّ في القياس.
قال: أفرأيت إذا قال الواحد منهم القولَ لا ُيحفظ عن غيره منهم فيه له موافقةً ولا خلافاً أتجد لك حجة باتباعه في كتاب أو سنة أو أمر أحمع الناس عليه فيكونَ من الأسباب التي قلتَ بها خبراً؟
قلت له: ما وجدنا في هذا كتاباً ولا سنةً ثابتة ولقد وجدنا أهل العلم يأخذون بقول واحدهم مرة ويتركونه أخرى ويتفرقوا في بعض ما أخذوا به منهم.
قال: فإلى أي شيء صرتَ من هذا؟
قلت: إلى اتباع قول واحد إذا لم أجد كتاباً ولا سنة ولا إجماعاً ولا شيئاً في معناه ُيحكم له بحكمه أو وُجد معه قياس.
وقلَّ ما يُوجَد من قول الواحد منهم لا يخالفه غيره من هذا)
وابن القيم _ رحمه الله _ ينكر نسبة القول بعدم حجية قول الصحابي للشافعي ويرى أن قوله الجديد كالقديم، وبقول ابن القيم قال بعض الشافعية كالأصفهاني في الكاشف (5/ 494) والزركشي في البحر المحيط (6/ 58) وذكر أنه أشار إلى الاحتجاج به في رسالته في الخلاف مع مالك.
رابعاً: الإمام أحمد رحمه الله:
للإمام أحمد رحمه الله قولان في المسألة:
الأول: أن قوله ليست حجة وقد أومأ إلى هذا في عدة روايات منها:
1 – قال في رواية أبي داود: " ليس أحد إلا آخذ برأيه وأترك ما خلا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مسائل أبي داود (ص 276) العدة لأبي يعلى (4/ 1183).
2 – ونقل المروذي عنه أنه قال في حد قاذف أم الولد: " ابن عمر يقول على قاذف أم الولد الحد وأنا لا أجتريء على ذلك إنما هي أمة أحكامها أحكام الإماء " العدة لأبي يعلى (4/ 1183 – 1184).
وأثر ابن عمر رضي الله عنه المذكور أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7/ 439)
3 – نقل الميموني عنه أنه قيل له: إن قوماً يحتجون في النخل بفعل أبي بكر، فقال: هذا فعل ورأي من أبي بكر ليس هذا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " العدة (4/ 1184).
4 – ونقل عنه مهنا فيمن ركب دابة فأصاب إنساناً فعلى الراكب الضمان، قيل له: إن علياً رضي الله عنه يقول: إذا قال الطريق فأسمع فلا ضمان، فقال: رأيك إذا قال الطريق وكان الذي أصابه أصم؟ " العدة (4/ 1184).
5 – ونقل عنه الميموني أنه سأله عن المسح على القلنسوة؟ فقال: ليس فيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شيء وهو قول أبي موسى وأنا أتوقاه " ونقل هذا أيضاً ابن هاني في مسائله (1/ 19)
وأثر أبي موسى 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في المسح على القلنسوة ذكره ابن حزم في المحلى (8/ 84)
6 – نقل ابن القاسم عنه قوله _ في حد البلوغ _: " يروى عن ابن عمر من غير وجه وهو صحيح ولكن لا أرى هذا يستوي في الغلمان قد يكون منهم الطويل وبعضهم أكثر من بعض ولا ينضبط والحد عندي في البلوغ الثلاثة " العدة (4/ 1184).
القول الثاني: أن قوله حجة
1 - قال ابن هانئ في مسائله (2/ 165): (قلت لأبي عبدالله: حديث عن رسول الله مرسل برجال ثبت أحبُّ إليك، أو حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت؟
قال أبو عبدالله رحمه الله: عن الصحابة أعجب إليّ)
2 - قوله في كتابه السنة:- (بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة) وسبق ذكر الأثر
3 - قال في رواية أبي طالب: في أموال المسلمين إذا أخذها الكفار ثم ظهر عليه المسلمون فأدركه صاحبه فهو أحق به، وإن أدركه وقد قسم فلا حق له كذا قال عمر ولو كان القياس كان له ولكن كذا قال عمر) العدة (4/ 1181) وينظر مسائل أبي داود (ص 243)
4 - ونقل عنه أبو طالب أنه قال: (لا يجوز هبة المرأة حتى يأتي عليها في بيت زوجها سنة أو تلد مثل قول عمر) العدة (4/ 1183)
5 - ونقل عنه أبو الحارث: (ترك الصلاة بين التراويح واحتج بما روي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء فقيل له فعن سعيد والحسن أنهما كانا يريان الصلاة بين التراويح فقال: أقول لك أصحاب النبي وتقول التابعون) العدة (4/ 1182)
والروايات عن أحمد في هذا القول كثيرة جداً وظاهرة.
هذه خلاصة أقوال عن الأئمة الأربعة وسيأتي بيان لآرائهم في هذه المسألة في نهاية الأقوال والأدلة إن شاء الله تعالى.
¥